للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قرى الموصل، وذلك كله بإشارة الشيخ الصالح العابد عمر (١) المُلا، وكانت له زاوية يقصد فيها، وله في كل سنة دعوة في شهر المولد، يحضر عنده الملوك والأمراء والعلماء، ويحتفل بذلك. وقد كان الملك نور الدين صاحبه، ويستشيره في أموره وما يعتمده من المهمات، وهو الذي أشار عليه في مدة مقامه بالموصل بجميع ما فعله من الخيرات، وأسقط عنهم المكوسات والضرائب، وأخرج من بين أهلها الظالم الغاشم فخر الدين عبد المسيح، وسماه عبد الله، وأخذه معه إلى دمشق، فأقطعه إقطاعًا حسنًا. وكان عبد المسيح هذا نصرانيًا، فأظهر الإسلام، وكان يقال: إن له كنيسة في جوف داره، وكان سيئ السيرة في حق العلماء وخاصة المسلمين، وكان نور الدين لم يدخل الموصل حتى قوى الشتاء، فأقام بها كما ذكرنا أربعة وعشرين يومًا، فلما كان آخر ليلة أقام بها، رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام، وهو يقول له: "طابت لك بلدك، وتركت الجهاد وقتال أعداء الله"، فنهض من فوره إلى السفر، وما أصبح إلا وهو سائر إلى الشام. واستقضى الشيخ شرف الدين بن أبي عصرون (٢)، وكان على سنجار، ونصيبين، والخابور، فاستناب فيها ابن أبي عصرون نوابًا من أصحابه.

وفي تاريخ بيبرس: وفي هذه السنة اتصل بنور الدين بن زنكي أن [سيف الدين (٣)] غازي، ابن أخيه صاحب الموصل، قد فوض أموره إلى فخر الدين عبد المسيح، وأنه استولي وقام بالأمر وتحكم، فأنف لذلك وكرهه وعظم عليه؛ لأنه كان يبغض فخر الدين المذكور، لما بلغه من خشونة سياسته. وقال: أنا أولي بتدبير أولاد أخي. وسار عند انقضاء الغزاة جريدة في قلة من العسكر، وعبر الفرات عند قلعة جعبر، وملك نصيبين، فأتاه بها نور الدين محمد بن قرا أرسلان بن داود -صاحب حصن كيفا (٤) - وكثر جمعه، وكان قد ترك عساكره بالشام؛ لحفظ ثغوره. فلما اجتمعت العساكر، سار إلى سنجار فحصرها، ونصب عليها المناجيق، وملكها، وسلمها إلى عماد الدين ابن أخيه قطب


(١) هو: عمر بن محمد بن خضر الإربلي الموصلي، أبو حفص معين الدين، المعروف بالمُلا. شيخ الموصل من العلماء الزاهدين. انظر: الباهر، ص ١٢٩، ١٧٠؛ مرآة الزمان، ج ٨، ص ٣١٠؛ الروضتين، ج ١ ق ٢، ص ٢٠ - ٢١، ج ١ ق ٢، ص ٣٥٢ - ٣٥٣، ص ٤٨٠ - ٤٨٣.
(٢) هو: أبو سعد عبد الله بن أبي السري محمد بن هبة الله بن مطهر بن علي. الفقيه الشافعي، شرف الدين. من أعيان الفقهاء وفضلاء عصره. توفي في رمضان سنة ٥٨٥ هـ/ ١١٨٩ م، انظر: وفيات الأعيان، ج ٣، ص ٥٢.
(٣) "شهاب الدين" في نسختى المخطوطة أ، ب. والتصحيح مما يلي.
(٤) حصن كيفا: ويقال كيبا، وهي بلدة وقلعة عظيمة، مشرفة على دجلة، بين آمد وجزيرة ابن عمر، انظر: معجم البلدان، ج ٢، ص ٢٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>