للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقضيتها أن البحر لما انفتح تواترت الإفرنج والنصارى من كل جزيرة، ينصرون أصحابهم، ويمدوّنهم بالقوة والميرة، وعملت الإفرنج ثلاثة أبرجة من خشب وحديد، عليها جلود مسقاة [٨٢] بالخل والخمر، لئلا يعمل فيها النفط والنار، وطموا خندق عكا، وسحبوا الأبراج على العجل إلى السور، فأقبلت أمثال الجبال فأشرفت على البلد، وفي كل برج خمسمائة مقاتل، فأيس المسلمون من البلد وقد حيل بينهم وبين السلطان، وركب السلطان والعساكر واجتهدوا في الوصول إلى البلد فلم يقدروا ورماهم الزراقون الذين في البلد بالنفط فلم يحترق منها شيء (١). فأهم أمرها المسلمين وكانوا عليها حنقين، فأعمل السلطان حيلهُ وفكره في إحراقها وإهلاكها فاستحضر النفاطين ووعدهم الأموال الجزيلة، فانتدب شاب نحاس من دمشق يعرف بعلي [ابن] (٢) عريف (٣) النحاسين، والتزم بإحراقها وإهلاكها، فأخذ النفط الأبيض وخلط إليه أدوية عرفها، وغلاه في ثلاثة قدور من النحاس حتى صار نارا تأجج، ورمي كل برج منها بقدر من تلك القدور بالمنجنيق من داخل عكا، فأحرق الأبراج الثلاثة -بإذن الله تعالى- حتى صارت نارًا لها ألسنة في الجو متصاعدة، فصرخ المسلمون صرخة واحدة بالتهليل والتكبير، واحترق في كل برج من مقاتليهم سبعون (٤) كفورا. {وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} (٥) وذلك يوم الاثنين [الثاني] والعشرين من ربيع الأول من هذه السنة (٦). وكانت الفرنج قد تعبوا فيها سبعة أشهر، فاحترقت في يوم واحد.

وفي المرآة (٧): وكان هذا الشاب بعكا ليس له في الديوان اسم، وكان عارفا بالنفط والحريق، وقال لقراقوش انصب لي منجنيقًا فأنا أحرق هذه الأبراج. وقال له: قد عجز الصُناع فمن أنت؟ فقال: انظروا [لقد عملت قدور الله تعالى] (٨) وأنا وما أريد منكم


(١) نقل العينى هذا النص عن مرآة الزمان، ج ٨، ص ٢٥٧؛ الفتح القسى، ص ٣٧٠ - ٣٧٢؛ زبدة الحلب، ج ٣، ص ١١٧؛ مفرج الكروب، ج ٢، ص ٣١٥ - ٣١٦.
(٢) ما بين الحاصرتين إضافة من الفتح القسى، ص ٣٧٠.
(٣) العريف: هو: النقيب، وهو دون الرئيس.
(٤) "سبعين" كذا في الأصل.
(٥) سورة: الفرقان الآية: رقم ٢٦.
(٦) تفصيل هذا الخبر في الفتح القسي، ص ٣٧٠ - ٣٧٥، انظر أيضًا البداية والنهاية، ج ١٢، ص ٣٥٧ - ص ٣٥٨.
(٧) مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٢٥٧.
(٨) ما بين الحاصرتين إضافة من المرآة لسياق الكلام، ج ٨، ص ٢٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>