للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتتابعت العساكر، وتجاوبت الأبطال، ووقف السلطان في القلب، فعند ذلك قامت الحرب على سوقها (١). قال الراوى (٢): فلم يكن [إلا] (٣) ساعة حتى رأينا القوم صرعي {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} (٤)، وامتدوا مطرحين، أولهم من خيام الملك العادل، وآخرهم عند خيامهم، وكانت المسافة بين المضربين فرسخًا، وربما زادوا على ذلك، وقتلى الإفرنج مطروحون فيها ولم ينج منهم إلا النادر.

قال قاضي القضاة بهاء الدين: ولقد خُضتُ في تلك الدماء بدابتي، فاجتهدتُ أن أعُدَّهم فما قدرت على ذلك لكثرتهم، وشاهدت فيهم امرأتين مقتولتين. وحكي لي من شاهد منهم أربع نسوة يقاتلن وأسرت منهم اثنتان. وأسر من الرجال في ذلك اليوم نفر يسير، فإن السلطان [[كان] أمر [الناس]] (٥) أن [لا يستبقوا أحدًا] (٦)، هذا كله في الميمنة وبعض القلب.

وأما الميسرة فما اتصل الصائح بهم إلا وقد نجز الأمر. وكانت هذه الوقعة فيما بين الظهر والعصر، وانفصلت الحرب بعد العصر، ولم يفقد من المسلمين في هذا اليوم سوى عشرة أنفس، غير معروفين. وأما أهل عكا فإنهم كانوا يشاهدون الوقعة من أعالي السور، فخرجوا إلى مخيم العدو، وجرى بينهم مقتلة عظيمة، وكانت النصرة للمسلمين، فأخذوا جمعا من النسوان والأقمشة حتى القدور وفيها الطعام. واختلف الناس في عدد القتلى منهم، فقيل: كانوا ثمانية آلاف، وقيل: سبعة آلاف.

وقال قاضي القضاة بهاء الدين: ولقد شاهدتُ منهم خمسة صفوف أولها عند خيمة العادل، وآخرها [٩٠] عند خيامهم. ولقد رأيتُ إنسانا عاقلًا جنديا "يسعى" (٧) بين الصفوف من القتلى ويعدهم، فقلت له: كم عددت؟ فقال: إلى هاهنا أربعة آلاف ونيفا وستين قتيلًا. وكان قد عد صفين، وهو في الصف الثالث، لكن ما مضى من الصفوف كان أكثر عددا من الباقي.


(١) "وقامت سوق الحرب" في النوادر السلطانية، ص ١٣٠.
(٢) يقصد ابن شداد.
(٣) ما بين حاصرتين إضافة من النوادر السلطانية، ص ١٣٠.
(٤) سورة الحاقة، آية رقم ٧.
(٥) ما بين الحاصرتين إضافة من النوادر السلطانية، ص ١٣٠.
(٦) في الأصل "لا يستبقى أحد"، والمثبت من النوادر، ص ١٣٠.
(٧) ما بين الحاصرتين إضافة من النوادر السلطانية، ص ١٣١ لتوضيح المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>