للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غرة وغفلة منهم. وكان مقدم العسكر الأسفهسلار (١) الكبير حسام [٩١] الدين أبو الهيجاء المقدم في الكرم والشجاعة، ووالي البلد وحارسه الأمير الكبير بهاء الدين قراقوش، وفتحوا الأبواب وخرجوا دفعة واحدة من كل جانب. ولم يشعر الفرنج إلا والسيف فيهم حاكم، وسهم قضاء الله فيهم نافذ. وتقدموا إلى أن ولجوا في خيامهم، ولما رأوهم كذلك ذهلوا عن المنجنيقات وحراستها، فوصلت إليها شهب الزّراقين والنفاطين، حتى اضطرمت فيها النيران، وأحرقت منها ما شيدته الأعداء في المدة الطويلة في أقرب آن. وقتل منهم في ذلك اليوم سبعون فارسا، وأسر خلق عظيم، وكان في جملة الأسرى رجل مذكور فيهم، ظفر به شخص من آحاد الناس ولم يعلم بمكانته، ولما انفصل الحرب سأل الفرنج عليه هل هو حيّ أم لا؟ فعرف الذي [هو] (٢) عنده أنه رجل كبير، وخاف أن يُغلب عليه ويؤخذ منه، فسارع إلى قتله، فقتله، وبذل الفرنج فيه أموالًا عظيمة، ولم يزالوا يسألون ذلك حتى رموا إليهم رأسه (٣)، فضربوا بنفوسهم الأرض، وحثوا على رؤوسهم ووجوههم التراب، ووقعت عليهم بسبب ذلك خمدة عظيمة، واستخفَّهم المسلمون بعد ذلك، فهجموا عليهم من كل جانب، ولاسيما العرب، فإنهم يدقون فيهم من كل ناحية يسرقون وينهبون ويأسرون ويقتلون، فانحلت عزيمتهم وضعفت قواهم، ولاسيما لما أحرق المسلمون ذلك المنجنيق العظيم، الذي صنعه الكندهري كما ذكرنا.

ذكر وصول البُطَسَ من مصر

كتب الأمير بهاء الدين قراقوش متولي عكا إلى السلطان في العشر الأول (٤) من شعبان من هذه السنة، أنه لم يبق عندهم من المؤنة إلا ما يكفيهم إلى ليلة النصف، فلما وصل الكتاب إلى السلطان أسّره في نفسه، ولم يُبده لأحد خوفا من شيوع ذلك، فيبلغ إلى العدو، فيقفوا على المسلمين وتضعف القلوب. وكان قد كتب إلى أمير الأسطول بالديار المصرية ليتقدم بميرة إلى عكا، فوصلت ثلاث بُطَس ليلة النصف، فيها من الميرة ما يكفي أهل البلد طول الشتاء، وهي في صحبة الأمير لؤلؤ الحاجب، فلما


(١) الأسفهسلار: هو مقدم العساكر. انظر: صبح الأعشى، جـ ٣، ص ٤٨٣، جـ ٦، ص ٧ - ص ٨.
(٢) ما بين الحاصرتين إضافة من ابن شداد حيث ينقل العينى عنه. انظر: النوادر السلطانية، ص ١٣٤.
(٣) "جثته" في النوادر السلطانية، ص ١٣٤.
(٤) "الأوسط" في النوادر السلطانية، ص ١٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>