للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن زنكي صاحب الجزيرة (١) إذ ذاك. ثم تكرر سؤال معز الدين هذا في طلب الدستور، والسلطان يعتذر إليه بأن رسل العدو متكررة في معنى الصلح، فلا يجوز أن تنقض العساكر حتى يتبين على ماذا ينفصل الحال من سلم أو حرب، وهو لا يألو جهدا في طلب الدستور إلى أن كان يوم عيد الفطر من هذه السنة، وحضر سحرة ذاك اليوم في باب خيمة السلطان، فاستأذن في الدخول، فلم يؤذن له، وكرر الاستئذان، فأذن له، فدخل، واستأذن في الرواح شفاها، فذكر له السلطان وجوها تمنع من الرواح، فانكب على يده وقبلها كالمودع له ونهض من ساعته وسار، وأمر أصحابه أن أكفئوا القدور وفيها الطعام، وأقلعوا الخيام، وتبعوه على ذلك، فلما بلغ السلطان ذلك، كتب إليه: إنك قد قصدت الانتماء إلىَّ ابتداءً، وراجعتني في ذلك مرارًا، وأظهرت الخيفة على نفسك وبلدك من أهلك، فقبلتك وآويتك ونصرتك، فبسطت يدك في أموال الناس ودمائهم وأعراضهم، فنفذت إليك ونهيتك عن ذلك مرارا، فلم تنته، فاتفق وقوع هذه الواقعة للإسلام، فدعوناك، فأتيت بعسكر قد عرفته وعرفه الناس، وأقمت هذه المدة وقلقت هذا القلق، وانصرفت عن غير طيب نفس، وغير فصل حال مع العدو، فانظر لنفسك وانظر (٢) - من تنتمي إليه غيرى، احفظ نفسك ممن يقصدك فما بقى لي إلى جانبك التفات وسَلَّم الكتاب إلى نجاب، فلحقه قريبًا من طبرية، فقرأ الكتاب ولم يلتفت إليه، وسار على وجهه.

وكان الملك المظفر تقي الدين قد استدعي إلى الغزاة -كما ذكرنا الآن- فلقيه في عقبة فيق، وهو مُحِثُّ وليست عليه أمارات حسنة، وسأله عن حاله، ففهم من كلامه أنه سار والسلطان غير راض عليه، فقال له: "المصلحة أن ترجع (٣) [٩٦] إلى الخدمة وتلازمها إلى أن يأذن لك السلطان، فأنت صبيّ لا تعلم عائلة هذا الأمر، فلم يلتفت إليه، وأصر على الرواح، فخشن عليه الملك المظفر وقال: "ترجع من غير اختيار". وكان تقي الدين شديد البأس، مقداما على الأمور، فلما علم معز الدين أنه قابضه إن لم يرجع


(١) الجزيرة يقصد بها جزيرة ابن عمر.
(٢) "أبصر"كذا في النوادر السلطانية، ص ١٤٥.
(٣) ورد هذا النص بتصرف في الفتح القسى، ص ٤٣٩؛ النوادر السلطانية، ص ١٤٠ - ص ١٤٦؛ مفرج الكروب، جـ ٢، ص ٣٤٠ - ص ٣٤١؛ الروضتين، جـ ٢، ص ١٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>