للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باختياره، رجع معه حتى أتى العسكر، وخرج الملك العادل إلى لقاء الملك المظفر، فدخلا على السلطان، وسألاه الصفح عنه، فعفى عنه، وطلب أن يقيم في جوار تقي الدين، خشية على نفسه، فأذن له في ذلك وأقام في جواره إلى حين ذهابه.

وكذلك عماد الدين صاحب سنجار كان قد أصر على الرحيل، ودخل على السلطان فقبل يده، وسار من ساعته، فكتب السلطان وراءه كتابا وكتب بيده في ظهره:

"من ضاع مثلي من يديـ … ــــــــــــه فليت شعري ما استفادا"

فوقف عماد الدين عليه، وانقطعت مراجعته بالكلية.

ومنها أنه تواصلت الأخبار بضعف العدو المخذول، ووقع الغلاء في بلادهم وعسكرهم، حتى أن الغرارة من القمح بلغت في أنطاكية ستة وتسعين دينارا صورية، ولا يزيدهم ذلك إلا صبرا وإصرارا وعنادا.

ومنها أنهم لما ضاق بهم الأمر وعظم الغلاء، خرج منهم خلق عظيم مستأمنين من شدة الجوع (١)، وقد ذكرنا أن السلطان كان قد عرض له مرض فطمعوا بذلك، وظنوا أنه لا يستطيع النهوض، فخرجوا يوم الاثنين الحادي عشر من شوال من هذه السنة، بخيلهم ورجلهم متحملين أزوادًا وخيما، وكان خروجهم إلى الآبار التي استحدثها المسلمون تحت تل العجول (٢) لما كانوا نازلين عليه، فأخذوا معهم عليق أربعة أيام، فأخبر السلطان بخروجهم على هذا الوجه، فأمر اليزك أن ينزاحوا من بين أيديهم إلى تل كيسان، وكان اليزك على تل العياضية، وكان نزول العدو على الآبار بعد صلاة العصر من اليوم المذكور، وباتوا تلك الليلة واليزك حولهم جميع الليل، فلما طلع الصبح جاء من أخبره السلطان -رحمه الله- بأنهم قد تحركوا للركوب، وكان -رحمه الله- قد أمر الثقل في أول الليل أن يسيروا إلى الناصرة والقيمون (٣)، فرحل الثقل وبقى الناس، وأمر العساكر أن يركبوا ميمنة وميسرة وقلبا تعبئة للقتال، وركب السلطان وصاح الجاووش بالناس، فركبوا


(١) انظر تفاصيل هذا الحدث في النوادر السلطانية، ص ١٤٦ - ١٤٧؛ الروضتين، ج ٢، ص ١٦٥.
(٢) "تل العجل" كذا في الأصل. والمثبت من الكامل، جـ ١٠، ص ٤٧٩؛ ابن العديم: زبدة الحلب، جـ ٣، ص ٢٠٢، حاشية ٥، حيث ذكر أن تل العجول واقع بين عكا والعائلية.
(٣) القيمون: حصن قرب الرملة من أعمال فلسطين. معجم البلدان، ج ٤، ص ٢١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>