للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلمين منهم، ووقعوا فيهم ضربًا بالسيف حتى هلك منهم جمع عظيم، واستسلم الباقون للأسر فأسروهم، وأخذوا خيلهم وعُدَدهم. وجاء البشير إلى السلطان، فارتفعت الأصوات بالتهليل والتكبير، وركب [السلطان] (١) لملاقاتهم.

قال قاضي القضاة بهاء الدين (٢): وكنت في خدمته حتى أتي تل كيسان، واعتبر الأسارى، وكان فيهم مقدم عسكر الإفرنسيس، وخازن الملك أيضا، ثم نزل السلطان في مخيمة فرحا مسرورا، وأمر مناديا فنادى: "ألا من كان عنده أسير فليحضر به"، فأحضر الناس أسراهم، وأكرم المقدمين منهم، وأليس مقدم عسكر الإفرنسيس فروة خاصًا، وأمر لكل واحد من الباقين بفروة خرجية، فإن البرد كان شديدًا وكانوا عرايا موتي من البرد، وأحضر لهم طعاما فأكلوه، وأمر لهم بخيمة نصبت قريبا من خيمته، وكان يكارمهم في كل وقت ويحضر المقدم على الخوان في بعض الأوقات، ثم أمر بتقييدهم وحملهم إلى دمشق، وأذن لهم أن يُراسلوا أصحابهم، وأن يُحضروا لهم من عسكرهم ما يحتاجون إليه من الثياب وغيرها، ففعلوا ذلك وساروا إلى دمشق وحُبسوا هناك.

ومنها أن في اليوم السابع من ذي الحجة من هذه السنة سقطت قطعة من سور عكا، وهي قطعة عظيمة. وفي النوادر (٣): كان ذلك ليلة السبت السابع من ذي الحجة، فوقعت بثقلها على الباشورة (٤) فهدمت أيضا منها قطعة عظيمة، فداخل العدو الطمع، وجاؤا إلى البلد كقطعة الليل المدلهم من كل جانب، فقام أهل البلد [١٠٠] بهمم عالية فقتلوا منهم جماعة، وجرحوا خلقا عظيما حتى آيسوا من أن ينالوا شيئا من البلد، ووقف المسلمون في موضع القطع كالسَّد، وجمعوا جميع مَنْ في البلد من البنائين والصناع، ووضعوهم في ذلك المكان وحموهم بالنشاب والجُروخ (٥) والمناجيق، فما مرت إلا ليال يسيرة حتى فرغوا من بنائها بأحسن مما كان.


(١) ما بين الحاصرتين مثبت من النوادر السلطانية، ص ١٥١.
(٢) نقل العينى هذا النص بتصرف من النوادر السلطانية، ص ١٥١.
(٣) ورد هذا الحدث في النوادر، ص ١٥٣؛ الروضتين ج ٢، ص ١٨١.
(٤) الباشورة جمع بواشير - الحائط الظاهري من الحصن يختفي وراءه الجند عند القتال. النوادر السلطانية، ص ١٥٣ حاشية ٣.
(٥) الجروخ جمع جرخ، وهي آلة حادة حربية تستعمل لرمي السهام والنفوط والحجارة، ويقال لمستخدمها من الجند "جرخي" انظر المقريزي: السلوك، جـ ١، ص ١٠٠٣، حاشية ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>