للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأعلم السلطان العساكر بالعزم على الرحيل إلى مضايقة العدو، فسار حتى وقف على الخروبة، ورتب العساكر ميمنة وميسرة وقلباً، ثم أنفذ من كشف حال العدو وحال خنادقهم، هل فيها كمين لهم أم لا؟ فعادوا وأخبروا بخلوها عن الكمين. فسار بنفسه ومعه نفر يسير من مماليكه حتى أتى خنادقهم، وصعد تلاً كان يعرف بتل الفضول، وهو قُريب العدو مشرف على خيامهم، وشاهد المنجنيقات وما يعمل منها وما هو بطال، ثم عاد سائرا إلى مخيمه (١) [١٠٨].

قال قاضى القضاة بهاء الدين: وأنا في خدمته وفى صبيحة هذه الليلة، أتاه اللصوص برضيع له ثلاثة أشهر، قد أخذوه من أمه وسرقوه (٢).

[ذكر قضية الرضيع]

وذلك أنه كان للمسلمين لصوص يدخلون إلى خيام العدو فيسرقون منهم ما قد روا عليه، وكان من قضيتهم أنهم أخذوا ذات ليلة طفلاً رضيعاً له ثلاثة أشهر، وكانوا سرقوه من مهده وعرضوه على السلطان، وكانوا كل ما يأخذونه يعرضونه عليه، فيخلع عليهم ويعطيهم ما أخذوه. ولما علمت أمه بذلك وجدت عليه وجدة شديداً، وباتت تلك الليلة مستغيثة بالويل والثبور، حتى وصل خبرها إلى ملوكهم فقالوا لها: "إن سلطان المسلمين رحيم القلب، وقد أذنا لك في الخروج إليه، فاخرجى واطلبيه منه، فإنه يرده عليك". فخرجت وهى تستغيث إلى يزك المسلمين، فأخبرتهم بواقعتها بترجمان كان يترجم عنها، فأطلقوها وأنفذوها إلى السلطان، فأتته وهو راكب على تل الخروبة.

قال قاضى القضاة بهاء الدين (٣): وأنا في خدمته، وفى خدمته خلق عظيم، فبكت بكاء شديدًا ومرغت وجهها في التراب، فسأل عن قصتها، فأخبروه، فرقَّ لها ودمعت عينه، وأمر بإحضار الرضيع، فمضوا فوجدوه قد بيع في السوق، فأمر بدفع ثمنه إلى


(١) انظر: الفتح القسى، ص ٤٧٨ - ٤٧٩؛ الروضتين، جـ ٢، ص ١٨٤.
(٢) انظر: النوادر السلطانية، ص ١٥٨.
(٣) انظر: النوادر السلطانية، ص ١٥٨ - ١٥٩؛ الفتح القسى، ص ٤٨٠ - ٤٨١؛ الروضتين، جـ ٢، ص ١٨٤؛ البداية والنهاية، جـ ١٢، ص ٣٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>