للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آلاف دينار. واستقرت القاعدة على ذلك بينهم وبين الإفرنج. ولما وقف السلطان على ذلك أنكر إنكاراً عظيماً، وجمع أرباب المشورة من أرباب دولته، وعرّفهم بذلك، وعزم على أن يكتب في تلك الليلة مع القوَّام وينكر عليهم المصالحة على هذا الوجه، فما أحسوا بذلك إلا وقد ارتفعت أعلام الكفر وصلبانه على أسوار البلد، وذلك في ظهيرة يوم الجمعة المذكور الآن. وصاح الإفرنج [١١٧] صيحة واحدةً، وعظمت المصيبة على المسلمين، واشتدّ حرب الموحدين، ووقع في العسكر الصياح والعويل والبكاء والنحيب، ودخل المركيسُ اللعينُ البلد ومعه أربعة أعلام للملوك، فنصب علماً على القلعة، وعلما على مئذنة الجامع، وعلماً على برج الداويّة، وعلماً على برج القتال عوضاً عن علم الإسلام. وتحيّز المسلمون الذين بها إلى ناحية من البلد معتقلين مضيقاً عليهم، وقد أسرت النساء والأبناء وغنمت منهم الأموال، وقيدت الأبطال، وأهينت الرجال. ولما رأى السلطان ذلك رأى أن التأخر عن تلك المنزلة التى هو فيها مصلحة، فإنه لم يبق وجه في المضايقة، فأمر بنقل الأثقال ليلاً إلى المنزلة التى كان عليها أولاً بشفرعم (١)، وأقام هو جريدة في مكانه لينظر ماذا يكون من أمر العدوّ وحال أهل البلد، فانتقل الناس في تلك الليلة إلى الصباح. وفى ذلك اليوم خرج ثلاثة نفر ومعهم [أقوش] (٢) حاجب بهاء الدين قراقوش - وكان لسانه - مستنجزين ما وقع عليه [عهد] (٣) الصلح من المال والأسرى، فأقاموا ليلةً ثم ساروا إلى دمشق يبصرون الأسرى، وكان مسيرهم يوم الثلاثاء الحادى والعشرين من جمادى الآخرة.

ولما كان يوم الخميس سلخ جمادى الآخرة، خرج الفرنج من جانب البحر شمالى البلد، ومن جانب القبة، وانتشروا انتشاراً عظيماً راجلهم وفارسهم، وضربوا أطلاباً للقتال، فأخبر اليَزك بذلك للسلطان، فدقوا الكوسات وركب السلطان وأنفذ إلى اليزك [وقواه] (٤) برجال كثيرة، وتوقف هو حتى ركبت العساكر الإسلاميّة واجتمعوا، فوقع بين اليَزك وبين الإفرنج وقعة عظيمة وقتال شديد قبل اتصال العساكر باليَزك، فقتل اليزك منهم زهاء خمسين نفراً وجرح خلق عظيم. وفى ذلك اليوم وصل رسل الإفرنج الذين


(١) شفرعم: قرية كبيرة بينها وبين عكا بساحل الشام ثلاثة أميال. معجم البلدان، جـ ٣، ص ٣٠٤ - ٣٠٥.
(٢) "أقواس" كذا في الأصل، والمثبت من النوادر السلطانية، ص ١٧٢.
(٣) ما بين الحاصرتين إضافة من النوادر السلطانية، ص ١٧٢.
(٤) "وقواهم" في الأصل. والمثبت من النوادر السلطانية، ص ١٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>