للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فصل الرؤيا من الله وحي ما لم تكن ضغثا]

فصل والرؤيا من الله تعالى وحي حق، إذا رأى صاحبها في منامه ما ليس ضغثًا (١) فقصها على عالم، وصدق فيها، وأولها على أصل تأويلها الصحيح ولم يحرف.

والرؤيا تأويلها حق، وقد كانت الرؤيا من الأنبياء وحيًا (٢) فأي جاهل أجهل ممن يطعن في الرؤيا، ويزعم أنها ليست بشيء، وبلغني أن من قال هذا القول لا يرى الاغتسال من الاحتلام.

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن رؤيا المؤمن كلام يكلم به الرب عبده» (٣) .


(١) أضغاث أحلام: رؤيا لا يصح تأويلها لاختلاطها. القاموس المحيط (١ / ١٧٥) . قال الله تعالى: قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ [يوسف: ٤٤] .
(٢) قال تعالى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ الله إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ [الشورى: ٥١] .
وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: " كانت رؤيا الأنبياء وحيًا " رواه ابن جرير (٢ / ٩٠) وابن أبي عاصم في " السنّة " (٤٦٣) وإسناده حسن كما في " ظلال الجنة ".
وقال عُبيْد بن عُمير: " رؤيا الأنبياء وحي " ثم قرأ:. . . إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ. . . [الصافات: ١٠٢] . رواه البخاري (١ / ٢٣٨، ٢٣٩ فتح) .
وعُبَيْد بن عُمَير: ولد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال مسلم، وعده غيره من كبار التابعين وهو قاص أهل مكة مجمع على ثقته، انظر " التهذيب " و " التقريب ".
ولقد جاء أثر ابن عباس مرفوعا عند " ابن أبي حاتم " وقال في " ظلال الجنة ": " ورجاله ثقات غير أبي عبد الملك الكرندي فلم أعرفه ولا عرفت نسبته ".
(٣) رواه ابن أبي عاصم في " السنّة " (٤٨٦) عن عبادة بن الصامت وإسناده ضعيف كما قال شيخنا وأعله بحمزة بن الزبير وجنيد بن ميمون أبي عبد الله، ورواه الطبراني كما في " المجمع " (٧ / ١٧٤) عن عبادة، وقال: " فيه من لم أعرفه ".
والحديث رواه الحكيم الترمذي في " نوادر الأصول " (ص ١١٢) في الأصل الثامن والسبعين وهو من روايته عن شيخه عمر بن أبي عمر وهو واه وفي سنده جُنيد كما قال الحافظ في " الفتح " (١٢ / ٣٥٤) .
وروى ابن أبي عاصم في " السنّة " أيضا (٤٨٧) عن صفوان بن عمرو عن حميد بن عبد الرحمن أن رجلا سأل عبادة عن قوله تعالى: لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. . . [يونس: ٦٤] ، فقال عبادة: سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه أو يُرى له وهو من كلام يكلم به ربك عبده في المنام ".
وقال شيخنا الألباني في " ظلال الجنة ": " إسناده صحيح إن كان ما في الأصل " حميد بن عبد الرحمن " محفوظا وهو حميد بن عبد الرحمن بن عوف ثقة من رجال الشيخين لكني في شك من ذلك لأمور:
١ - أن ابن عبد الرحمن هذا لم يذكروه في شيوخ صفوان بن عمرو.
٢ - أن السيوطي أورده في " الدر المنثور " (٣ / ٣١٣) من رواية الحكيم الترمذي وابن مردويه عن حميد بن عبد الله.
٣ - أن حميد بن عبد الله المدني لما ترجمه ابن أبي حاتم (١ / ٢ / ٢٢٤) ذكر في الرواة عنه صفوان بن عمرو ولم يذكر في الرواة عن حميد بن عبد الرحمن، صفوان بن عمرو.
٤ - أن ابن جرير الطبري أخرجه (١١ / ٩٤) من طريق عمر بن عمرو بن عبد الأحموسي عن حميد بن عبد الله المزني قال: أتى رجل عبادة بن الصامت. . . الحديث، دون قوله: " هو من كلام. . . ". ثم أخرجه (ص ٩٦) من طريق أبي المغيرة قال: ثنا صفوان قال ثنا حميد بن عبد الله أن رجلا سأل عبادة بن الصامت. . . الحديث دون الزيادة.
قلت: فهذا يؤكد أن الراوي لهذا الحديث إنما هو " حميد بن عبد الله " وأن " حميد بن عبد الرحمن " خطأ من ناسخ الكتاب.
ثم ذكر شيخنا أن حميد بن عبد الله المزني مجهول الحال روى عنه ثقتان وذكره ابن حبان في الثقات، فهو مستور الحال من التابعين والنفس تطمئن للاحتجاج بأمثاله من مستوري التابعين وعلى ذلك كثير من المحققين، لكن في النفس شيء من ثبوت الزيادة المذكورة لعدم ورودها في طريق الأحموسي ولا في طرق أخرى للحديث عن عبادة بن الصامت، وقد أخرجها ابن جرير وغيره وكذلك لم ترد في حديث غيره من الصحابة. ثم خرجه الشيخ في " السلسلة الصحيحة " برقم (١٧٨٦) .

<<  <   >  >>