للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأشاعرة وَالتَّعْلِيل بالمصالح

...

الأشاعرة وَالتَّعْلِيل:

تقدم أَن الأشاعرة يُنكرُونَ التَّعْلِيل بِالْمَصْلَحَةِ، وَأُرِيد هُنَا أَن أبين دليلهم على هَذَا الْإِنْكَار، يَقُولُونَ: إِن كل من فعل فعلا لعِلَّة، يتَحَقَّق لَهُ من الْكَمَال بِوُقُوع تِلْكَ الْعلَّة مَا لم يكن لَهُ من قبل، فَيكون نَاقِصا بِذَاتِهِ كَامِلا بِغَيْرِهِ. وَالله سُبْحَانَهُ منزه عَن النَّقْص لذاته.

وأترك (ابْن السُّبْكِيّ) ١ - وَهُوَ أحد المنكرين للتَّعْلِيل - يُوضح هَذَا الدَّلِيل حَيْثُ يَقُول: " ... لَا يجوز أَن تعلل أَفعَال الله تَعَالَى، لِأَن من فعل فعلا لغَرَض، كَانَ حُصُوله بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ أولى، سَوَاء كَانَ الْغَرَض يعود إِلَيْهِ أم إِلَى الْغَيْر، وَإِذا كَانَ كَذَلِك، يكون نَاقِصا فِي نَفسه مستكملا فِي غَيره ويتعالى الله سُبْحَانَهُ عَن ذَلِك"٢.

هَذَا الْكَلَام - أَو الْمنطق - رده كثير من الْعلمَاء، وَقَالَ عَنهُ الشَّيْخ مُحَمَّد الطَّاهِر بن عاشور بِأَنَّهُ "يشْتَمل على مقدمتين سفسطائيتين٣" ثمَّ بَينهمَا ورد عَلَيْهِمَا٤.

وَيرد عَلَيْهِ - جملَة - بِأَنَّهُ غير مُسلم، لِأَن الْمَقَاصِد الْمَطْلُوبَة بأفعاله تَعَالَى وَأَحْكَامه لَا تُراد لتكميل ذَاته، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ مستغنٍ بِذَاتِهِ عَن كل ماعداه وَإِنَّمَا


١ - عبد الوهاب بن عَليّ بن عبد الكافي، أصولي، مُتَكَلم قَاضِي الْقُضَاة (ت ٧٧١?) وترجمته فِي جلاء الْعَينَيْنِ ص٢٤ - ٢٥.
٢ - الإبهاج ٣ / ٦٢ نقلا عَن نظرية الْمَقَاصِد ص ٢٢٧.
٣ - السفسطة: قِيَاس مركب من الوهميات وَقيل: قِيَاس مركب من الشُّبُهَات، وَيُسمى قِيَاسا سفسطائياً. وَالْقَصْد مِنْهُ تغليط الْغَيْر عَن قصد صَحِيح أَو غَرَض فَاسد. المعجم الفلسفي ص١٤٧
٤ - التَّحْرِير والتنوير ١ / ٣٨٠.

<<  <   >  >>