للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعند هذا العقل الأخير يتم النوع الإنساني، وكل عقل من هذه العقول قد يكون عقلاً بالقوة بالنسبة إلى ما فوقه، وعقلاً بالفعل بالنسبة إلى ما تحته، ولا يتم له الانتقال من القوة إلى الفعل إلا بواسطة عقل مفارق هو دائماً بالفعل، وهو العقل الفعال (١) ، ومنزلته فوق العقل الإنساني تفيض عنه الصور على عالم الكون والفساد فتكون موجودة فيه من حيث هي فاعلة، أما في عالم الكون والفساد فهي لا توجد إلا من جهة الانفعال،، وإذا أصبح العقل الإنساني شديد الاتصال بالعقل الفعال كأنه يعرف كل شيء من نفسه سمي بالعقل القدسي.

وهذا كله مأخوذ من قول أرسطو (٢) (إن العقل الفاعل هو العقل الذي يجرد المعاني أو الصور الكلية من لواحقها الحسية الجزئية على حين أن العقل المنفعل هو الذي تنطبع فيه هذه الصور) .

وقد اختلف شراح أرسطو في هذا العقل الفاعل، أو الفعال المفارق للمادة.

فذهب الاسكندر الأفروديسي إلى أن هذا العقل الفعال هو الله، لأن الله عقل محض مفارق للمادة عند أرسطو، وكذلك هذا العقل، وهو التأويل الذي اختارته المدرسة الأوغسطينية عامة في العصور الوسطى.

وذهب متفلسفة الإسلام إلى أن هذا العقل هو أحد العقول أو الجواهر المفارقة التي تحرك الأجرام السماوية وبناء عليه أسندوا إليه ثلاث وظائف كبرى: تحريك عالم ما تحت القمر، إفاضة الصور العقلية على النفس، فإفاضة الصور الجوهرية على الموجودات مطلقين عليه من جراء ذلك اسم ((واهب الصور)) .

وذهب فريق ثالث، وعلى رأسهم ثامسطيوس (٣١٧-٣٨٨م) والقديس توما الاكويني (١٢٢٥-١٢٧٤م) إلى أنه قوة من قوى النفس (٣) .


(١) تاريخ الفلسفة العربية: د- جميل صليبا ٢٥٥.
(٢) المعجم الفلسفي د- جميل صليبا ص ٨٦، شروح على أرسطو ص ٣١ وما بعدها تحقيق د- عبد الرحمن بدوي.
(٣) أرسطو المعلم الأول، لماجد فخري ٧٣-٧٤ ط الثانية ١٩٧٧م الأهلية للنشر والتوزيع بيروت.

<<  <  ج: ص:  >  >>