للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثالث والستون: أن العقل الذي عارض به هؤلاء السمع هو النفي، والذي دل عليه السمع هو الإثبات، على عرشه، ونزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا، ومجيئه وإتيانه، وإثبات وجهه الأعلى، ويديه اللتين كلتاهما يمين وغير ذلك، والعقل عندهم دل على نفي ذلك كله، فالمعارضة التي ادعوها هي معارضة بين النفي والإثبات، فالرسل جاءوا بالإثبات المفصل للأسماء والصفات والأفعال، فجاء أرباب هذا العقل بالنفي المفصل لها، وادعوا التعارض بين دليل هذا الإثبات ودليل النفي، ثم قدموا دليل النفي.

فيقال الكلام معكم في مقامين:

أحدهما: أن العقل لم يدل على ثبوتها.

والثاني: أنه دل على انتفائها، فإن أردتم بدلالة العقل المقام الأول، فنفيها خطأ؛ فإنه لو نفي كل ما لم يدل عليه عقل أو حس نفيت أكثر الموجودات التي لا ندركها بعقولنا ولا حواسنا، وهذا هو حاصل ما عند القوم عند التحقيق، ومن تدبر أدلتهم حق التدبر، علم أنه ليس فيها دليل واحد يدل على النفي، ومعلوم أن الشيء لا ينفى لانتفاء دليل يدل عليه، وإن انتفى العلم به، فنفي العلم لا يستلزم نفي المعلوم، فكيف والعقل الصريح قد دل على ثبوتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>