للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد نشأت عن ذلك في الحياة الأوربية والفكر الأوروبي مجموعة من الاختلالات التي لم تنشأ – كما تصور الفكر الأوروبي في مبدأ عصر النهضة- من إهمال الفلسفة والعلوم الإغريقية والالتجاء إلى الفكر ((الديني)) . فلم يكن ((الفكر الديني)) من حيث المبدأ، ولا إخضاع العقل للوحي هو مصدر الخلل في فكر العصور الوسطى في أوروبا، إنما كان الخلل كامناً في ذلك الفكر الذي قدمته الكنيسة باسم الدين، وفي إخضاع العقل لما زعمت الكنيسة أنه الوحي، بعد تحريفها ما حرفت منه، وإضافتها ما أضافت إليه، ومزج ذلك كله بعضه إلى بعض وتقديمه باسم الوحي.

والفلسفة الإغريقية التي ظنت أوروبا في عصر النهضة أن ضلالها في العصور الوسطى كان بسبب إهمالها، وأن العلاج هو الرجوع إليها والاستمداد منها، لم تكن هي في ذاتها بريئة من الخلل ولا سليمة من العيوب، ولا كانت في صورتها التي قدمها فلاسفة الإغريق القدامى زاداً صالحاً لحياة إنسانية مستقيمة راشدة، على الرغم من كل ما احتوته من إبداع فكري في بعض جوانبها.. وإنما ظل الفكر الأوروبي في الحقيقة ينتقل من جاهلية إلى جاهلية حتى عصره الحاضر. فمن الجاهلية الإغريقية والرومانية، إلى جاهلية الدين الكنسي المحرف في العصور الوسطى، إلى جاهلية عصر الإحياء، إلى جاهلية عصر ((التنوير)) إلى جاهلية الفلسفة الوضعية.. إلى الجاهلية المعاصرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>