للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأنف أقنى تحته ثغر كاللؤلؤ، وأسنان كالدر، وقد غلب عليها الطيب، وهي والهة حيرى ذاهبة في الدهليز ورائحة تخطر على أكباد محييها في مشيتها، وقد خالط أصوات نعلها خلاخلها، فهي كما قال الشاعر فيها:

كل جزء منم محاسنه ... كائن من حسنها مثلا

فهبتها يا أمير المؤمنين، ثم دنوت منها لأسلم عليها، فإذا الدهليز والدار والشارع قد عبق بالمسك، فسلمت عليها فردت بلسان منكسر وقلب حزين حريق مسعر. فقلت لها: يا سيدتي، إني شيخ غريب أصابني عطش، أفتأمرين بشربة من ماء تؤجرين عليها؟ قالت: إليك عني يا شيخ، فإني مشغولة عن الماء وادخار الزاد.

قلت: لأي علة يا سيدتي؟ قالت: لأني عاشقة لمن لا ينصفني، وأريد من لا يريدني، ومع ذلك فإني ممتحنة برقباء فوق رقباء.

قلت: وهل يا سيدتي على بسيطة الأرض من تريدينه ولا يريدك؟ قالت: نعم، وذلك لفضل ما ركب فيه من الجمال والكمال والدلال.

قلت: وما وقوفك في هذا الدهليز؟ قالت: ههنا طريقه وهذا أوان اجتيازه.

فقلت لها: يا سيدتي، فهل اجتمعتما في وقت من الأوقات ووجد حديث في هذا القرب؟ فتنفست الصعداء وأرخت دموعها على خدها كطل سقط على ورد، ثم أنشدت تقول:

وكنا كغصني بانة فوق روضة ... نشم جني اللذات في عيشة رغد

فأفرد هذا الغصن من ذاك قطع ... فيا من رأى فرداً يحن إلى فرد

قلت: يا هذه، فما بلغ من عشقك لهذا الفتى؟ قالت: أرى الشمس على حائطهم أحسب أنها هو، وربما أراه بغتة فأبهت ويهرب الدم والروح من جسدي وأبقى الأسبوع والأسبوعين بغير عقل.

فقلت لها: فاعذريني، فأنت على ما بك من الصبا وشغل البال بالهوى ونحول الجسم وضعف القوى أرى بك من اللون ورقة البشرة فكيف لو لم يمسك الهوى لكنت مفتنةً في أرض بصرة.

قالت: والله قبل محبتي هذا الغلام كنت تحفة الدلال والجمال والكمال، ولقد فتنت جميع ملوك البصرة حتى فتنني هذا الغلام.

<<  <   >  >>