للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقلت: غني لنفسك.

قالت: ولا أنا.

قلت: فمن يغنيك؟ قالت: إلتمس من يغني لي. فخرجت طاعة لها، إلا أني آيس من أن أجد أحداً في مثل هذا الوقت. فلم أزل حتى بلغت الشارع، فإذا أنا بأعمى يختبط الأرض بعصاً، وهو يقول: لا جزى الله من كنت عندهم خيراً، إن غنيت لم يسمعوا، وإن سكت استخفوا. فقلت: أمغن أنت؟ قال: نعم.

قلت: فهل لك أن تتم ليلتك عندنا وتؤانسنا؟ قال: إن شئت خذ بيدي فأخذت بيده وسرت إلى الدار، وقلت لها: يا سيدتي أتيت بمغن أعمى نلتذ به ولا يرانا.

فقالت: علي به.

فأدخلته وعزمت عليه في الطعام فأكل أكلاً لطيفاً وغسل يده، وقدمت إليه الشراب فشرب ثلاثة أقداح ثم قال لي: من تكون؟ قلت: إسحاق بن إبراهيم الموصلي.

قال: لقد كنت أسمع بك والآن فرحت بمنادمتك.

فقلت: يا سيدي فرحت بمن يسرك.

فقال: عن يا إسحاق.

فأخذت العود على سبيل المجون وقلت: السمع والطاعة، فلما غنيت وانقضى الصوت قال: يا إسحاق، قاربت أن تكون مغنياً، فصغرت علي نفسي وألقيت العود من يدي فقال: ما عندك ممن يحسن الغناء.؟ قلت: عندي جارية.

قال: مرها فلتغن.

قلت: تغني وأنت واثق بغنائها؟ قال: نعم.

فغنت، قال: ما صنعت شيئاً فرمت العود من يدها مغضبة وقالت: الذي عندنا جدنا به فإن كان عندك شيء فتصدق به.

فقال: علي بعود لم تمسه يد.

فأمرت الخادم فجاء بعود جديد، فضرب في طريق لا أعرفها واندفع يغني هذه الأبيات:

<<  <   >  >>