للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[أعظم ما مر به]

وقيل له: أخبرنا ببعض ما لقيت من المحن؟ قال: اشتهيت لحماً في قدر طباخ، وأنا في السجن فغرمت ألف دينار في شهوتي حتى أتيت بقدر ولحم مقطع في قصبة فارسية، والخل وسائر حوائجها في قصبة أخرى وتركوا عندي ما أحتاج إليه، وأتيت بنار فأوقدت تحت القدر ونفخت، ولحيتي في الأَرض حتى كادت روحي تخرج. فلما أنضجت تركتها تفور وتغلي وفتت الخبز وعمدت لأنزلها فانفلتت وانكسرت القدر على الأرض، فبقيت ألتقط اللحم وأمسح منه التراب وآكله. وذهب المرق الذي كنت أشتهيه، وهذا عظم ما مر بي، انتهى.

؟

[موت يحيى البرمكي]

ثم إن الرشيد نذر الحج، فخرج وخرج معه العسكر وكان خروجه في رمضان، فكانت تضرب له السرادقات المكللة بالديباج مفروشة بالحرير، يخرج من سرادق إلى سرادق، والناس محدقون به، حتى وصل إلى الحرم وحج. فاتفق أن الوفاة دنت من يحيى، وهو في السجن، فكتب رقعة وأوصى ولده الفضل أن يوصلها إلى الرشيد وكتب فيها هذه الأبيات:

ستعلم في الحساب إذا التقينا ... غداً، يومَ القيامة، من الظلومُ

؟ وينقطع التلذذ عن أناس ... من الدنيا، وتنقطع الهموم

تنام ولم تنم عنك المنايا ... تنبه للمنية يا نؤوم

تروم الخلد في دار المنايا ... وكم قد رام غيرك ما تروم

؟ إلى ديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم قال: فلما قدم الرشيد أنفذها إليه الفضل. فلما قرأها علم بموته فقال: مات والله يحيى، ومات الجود والكرم والسخاء، والله لو كان حياً لفرجت عنه، ثم أمر بإطلاق الفضل ابنه واستوزره مكان أخيه جعفر، رحمة الله عليهم أجمعين.

؟

<<  <   >  >>