للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[سخاء البرامكة]

حكى أبو إسحاق إبراهيم الموصلي قال: دعاني يحيى ابن خالد، فدخلت عليه، فوجدت الفضل وجعفراً ولديه جالسين بين يديه فقال لي: يا أبا إسحاق أصبحت اليوم مهموماً فأردت الصبوح لأتسلى فغن لي صوتاً لعلي أرتاح له فغنيته:

إذا نزلوا بطحاء مكة أشرقت ... بيحيى وبالفضل بن يحيى وجعفر

فما خلقت إلا لجود أكفهم ... وما خلقوا إلا لأعواد منبر

فسر وارتاح وأمر لي بمائة ألف، وأمر لي كل واحد من ولديه بمائة ألف فحمل المال جميعه بين يدي فأخذته وانصرفت.

وحكي عن مخارق قال: أصبحت السماء مغيمة وأصبح الرشيد مع حريمه وأمرنا بالإنصراف، وأذن لنا أن نقيم في منازلنا ثلاثة أيام، فمضى الجلساء أجمعون إلى منازلهم فقلت: والله لأذهبن إلى أستاذي إبراهيم الموصلي، فأعرف خبره، ثم أعود وأمرت من عندي أن يهيئوا لي مجلساً إلى وقت رجوعي، فجئت إلى دار إبراهيم، وقلت للبواب: أخبر أستاذك فأخبره، فقال: ادخل، فدخلت فإذا هو جالس في رواق وبين يديه قدر تغرغر وأباريق تزهر وستارة منصوبة والجواري خلفها، فقلت: ما بال الستارة لا أسمع من ورائها صوتاً؟ فقال: اقعد ويحك أصبحت على ما ترى، فأتاني خبر ضيعة بيعت بجواري، وقد كنت طلبتها زماناً، وتمنيتها فلم أملكها، وقد أعطي فيها الآن مائة ألف.

فقلت: وما يمنعك منها، وقد أعطاك الله أضعاف هذا المال؟ قال: صدقت، ولكن نفسي غير طيبة بإخراج هذا المال. وقال: خذ هذا القضيب، ونفر بقضيب في يده على المدورة وألقى علي:

نام الخليون من وهمٍ ومن سقمٍ ... وبت من كثرة الأحزان لم أنم

يا طالب الجود والمعروف مجتهداً ... أعمد ليحيى حليف الجود والكرم

قال: فأخذته وأحكمته ثم قال: امض الساعة إلى باب الوزير يحيى بن خالد، وادخل عليه وحدثه بما رأيت، واذكر الضيعة وعرفه أني صنعت له هذا الصوت، فأعجبني، ولم أجد من يستحقه إلا جاريته دنانير، وإنني ألقيته عليك لتلقيه عليها، وائتني بما يكون من الخبر.

<<  <   >  >>