للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من البكارة، فارتاع وظن أنه يكون أتاها دم، فلم يجد وقام عنها وندم على ما كن منه وأخذ يقول:

وناهدة الثديين من خدم القصر ... مرقرقة الخدين ليلية الشعر

كلفت بها دهراً حسن وجهها ... طويلاً وما حب الكواعب من أمري

فما زلت بالأشعار حتى خدعتها ... وروضتها، والشعر من خدع السحر

أطالبها شيئاً، فقالت بعبرة: ... أموت به داءً ودمعتها تجري

فلما تعانقنا توسطت لجةً ... غرقت بها يا قوم في لجج البحر

فصحت أغثني يا غلام، فجاءني ... وقد زلقت رجلي ورحت إلى الصد

ولولا صياحي بالغلام وأنه ... تداركني بالحبل رحت إلى القعر

فأقسمت عمري لا ركبت سفينة ... ولا سرت طول الدهر إلى على الظهر

[الشاعر المجنون]

قال المبرد: صعدت من البصرة إلى بغداد، فمررت بدير العاقول فرأيت مجنوناً فيه. فلم أر قط أظرف منه ولا أحسن ثياباً، ويده الواحدة على صدره. فلما دنوت منه أنشأ يقول:

الله يعلم أنني كمدٌ ... لا أستطيع أبث ما أجد

روحان لي: روح تملكها ... بلد، وأخرى حازها بلد

وأرى الصبابة ليس ينفعها ... صبر وليس لمثلها جلد

وأظن ظاعنتي كشاهدتي ... بمكانها تجد الذي أجد

فقلت: أحسنت والله، لله درك يا مجنون. فأهوى لشيء يرميني به فبعدت عنه. فقال لي: أنشدتك ما تحبه واستحسنته. وتقول لي: يا مجنون، وتكون مع الزمان علي.

فقلت له: أخطأت.

فقال: إذن اعترفت بخطئك. ثم قال: أنشدك شعراً أيضاً؟ قلت: نعم.

فأنشأ يقول:

<<  <   >  >>