للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤١) }

{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} أَيْ: شِرْكٌ. قَالَ الرَّبِيعُ: حَتَّى لَا يُفْتَنَ مُؤْمِنٌ عَنْ دِينِهِ {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} أَيْ: وَيَكُونَ الدِّينُ خَالِصًا لِلَّهِ لَا شِرْكَ فِيهِ، {فَإِنِ انْتَهَوْا} عَنِ الْكُفْرِ، {فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} قَرَأَ يَعْقُوبُ "تَعْمَلُونَ" بِالتَّاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ.

{وَإِنْ تَوَلَّوْا} عَنِ الْإِيمَانِ وَعَادُوا إِلَى قِتَالِ أَهْلِهِ، {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ} نَاصِرُكُمْ وَمُعِينُكُمْ، {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الْآيَةَ. الْغَنِيمَةُ وَالْفَيْءُ: اسْمَانِ لِمَالٍ يُصِيبُهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ. فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُمَا وَاحِدٌ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ: فَالْغَنِيمَةُ: مَا أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ عَنْوَةً بِقِتَالٍ، وَالْفَيْءُ: مَا كَانَ عَنْ صُلْحٍ بِغَيْرِ قِتَالٍ. فَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حُكْمَ الْغَنِيمَةِ فَقَالَ: "فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ" (١) .

ذَهَبَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ وَالْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ: "لِلَّهِ" افْتِتَاحُ كَلَامٍ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ وَإِضَافَةِ هَذَا الْمَالِ إِلَى نَفْسِهِ لِشَرَفِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ سَهْمًا مِنَ الْغَنِيمَةِ لِلَّهِ مُنْفَرِدًا، فَإِنَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ كُلَّهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَعَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ، قَالُوا: سَهْمُ اللَّهِ وَسَهْمُ الرَّسُولِ وَاحِدٌ. وَالْغَنِيمَةُ تُقَسَّمُ خَمْسَةُ أَخْمَاسٍ، أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا، وَالْخُمُسُ لِخَمْسَةِ أَصْنَافٍ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، "وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ".

قَالَ بَعْضُهُمْ: يُقَسَّمُ الْخُمُسُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَالِيَةِ، سَهْمٌ لِلَّهِ: فَيُصْرَفُ إِلَى


(١) انظر: الطبري: ١٣ / ٥٤٥ - ٥٤٨، القرطبي: ٨ / ١ وما بعدها، أحكام القرآن لابن العربي: ٢ / ٨٥٥ وما بعدها، أحكام القرآن للجصاص: ٤ / ٢٢٩ وما بعدها الخراج لأبي يوسف: ص (١٩ - ٣٠) ، الخراج ليحيى بن آدم: ص ١٨ - ٤٥، الأموال لأبي عبيد ص (٢٨) وما بعدها. ففيها تفصيل لآراء العلماء والمفسرين في قسمة الفيء والغنيمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>