للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَشْهُرٍ: رَفَعَهُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَمَنْ كَانَتْ مُدَّةُ عَهْدِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ: حَطَّهُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَمَنْ كَانَتْ مُدَّةُ عَهْدِهِ بِغَيْرِ أَجَلٍ مَحْدُودٍ: حَدَّهُ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ هُوَ حَرْبٌ بَعْدَ ذَلِكَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَيُقْتَلُ حَيْثُ أُدْرِكَ وَيُؤْسَرُ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ (١) .

وَابْتِدَاءُ هَذَا الْأَجَلِ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَانْقِضَاؤُهُ إِلَى عَشْرٍ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ.

فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ فَإِنَّمَا أَجَلُهُ انْسِلَاخُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَذَلِكَ خَمْسُونَ يَوْمًا. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: الْأَشْهُرُ الْأَرْبَعَةُ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ (٢) لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَوَّالٍ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصْوَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ.

وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّمَا كَانَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ لِمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَأَتَمَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهَذَا أَمَرَ بِإِتْمَامِ عَهْدِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: "فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ". (٣) قَالَ الْحَسَنُ: أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِتَالِ مَنْ قَاتَلَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: "قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ" فَكَانَ لَا يُقَاتِلُ إِلَّا مَنْ قَاتَلَهُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُمْ، وَأَجَّلَهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَجَلٌ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، لَا مَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ قَبْلَ الْبَرَاءَةِ وَلَا مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ، فَكَانَ الْأَجَلُ لِجَمِيعِهِمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَأَحَلَّ دِمَاءَ جَمِيعِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ وَغَيْرِهِمْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ.

وَقِيلَ: نَزَلَتْ هَذِهِ قَبْلَ تَبُوكَ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ مَكَّةَ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاهَدَ قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى: أَنْ يَضَعُوا الْحَرْبَ عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَنُ فِيهَا النَّاسُ، وَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَخَلَ بَنُو بَكْرٍ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ، ثُمَّ عَدَتْ بَنُو بَكْرٍ عَلَى خُزَاعَةَ فَنَالَتْ مِنْهَا، وَأَعَانَتْهُمْ قُرَيْشٌ بِالسِّلَاحِ، فَلَمَّا تَظَاهَرَ بَنُو بَكْرٍ وَقُرَيْشٌ عَلَى خُزَاعَةَ وَنَقَضُوا عَهْدَهُمْ، خَرَجَ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِيُّ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: لا هُمَّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدًا ... حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا

فَانْصُرْ هَدَاكَ اللَّهُ نَصْرًا أَبَدًا ... وَادْعُ عِبَادَ اللَّهِ يَأْتُوا مَدَدًا

أَبْيَضُ مِثْلُ الشَّمْسِ يَسْمُو صَعِدَا ... إِنْ سِيْمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبَّدَا

هَمْ بَيَّتُونَا بِالْهَجِيرِ هُجَّدًا ... وَقَتَلُونَا رُكَّعًا وَسُجَّدًا

كُنْتَ لَنَا أَبَا وَكُنَّا وَلَدًا ... ثَمَّتَ أَسْلَمْنَا وَلَمْ نَنْزِعْ يَدًا

فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ تَجَرَّدَا ... فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَجْرِي مُزْبِدًا

إِنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا ... وَنَقَضُوا مِيثَاقَكَ الْمُؤَكَّدَا

وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتَ تُنْجِي أَحَدًا ... وَهُمْ أُذَلُّ وَأَقَلُّ عَدَدًا


(١) تفسير الطبري: ١٤ / ٩٦-٩٧.
(٢) تفسير الطبري: ١٤ / ١٠١.
(٣) تفسير الطبري: ١٤ / ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>