للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَتَّى جَلَسَ عَلَى السَّرِيرِ، وَدَانَتْ لَهُ الْمُلُوكُ، وَدَخْلَ الْمَلِكُ بَيْتَهُ وَفَوَّضَ إِلَيْهِ أَمْرَ مِصْرَ، وَعَزَلَ قِطْفِيرَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ وَجَعْلَ يُوسُفَ مَكَانَهُ قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ (١) .

وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: وَكَانَ لِمَلِكِ مِصْرَ خَزَائِنُ كَثِيرَةٌ فَسَلَّمَ سُلْطَانَهُ كُلَّهُ إِلَيْهِ وَجَعَلَ أَمْرَهُ وَقَضَاءَهُ نَافِذًا، قَالُوا: ثُمَّ إِنْ قِطْفِيرَ هَلَكَ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي فَزَوَّجَ الْمَلِكُ يُوسُفَ رَاعِيلَ امْرَأَةَ قِطْفِيرَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا قَالَ: أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا مِمَّا كُنْتِ تُرِيدِينَ؟ فَقَالَتْ: أَيُّهَا الصَّدِيقُ لَا تَلُمْنِي، فَإِنِّي كُنْتُ امْرَأَةً حَسْنَاءَ نَاعِمَةً كَمَا تَرَى فِي مُلْكٍ وَدُنْيَا، وَكَانَ صَاحِبِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ، وَكُنْتَ كَمَا جَعَلَكَ اللَّهُ فِي حُسْنِكَ وَهَيْئَتِكَ فَغَلَبَتْنِي نَفْسِي فَوَجَدَهَا يُوسُفُ عَذْرَاءَ فَأَصَابَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ وَلَدَيْنِ: أَفْرَاثِيمَ بْنَ يُوسُفَ، وَمِيشَا بْنَ يُوسُفَ (٢) .

وَاسْتَوْثَقَ لِيُوسُفَ مُلْكُ مِصْرَ، أَيِ: اجْتَمَعَ، فَأَقَامَ فِيهِمُ الْعَدْلَ، وَأَحَبَّهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:

{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (٥٧) } .

{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} يَعْنِي: أَرْضَ مِصْرَ مَلَّكْنَاهُ (٣) ، {يَتَبَوَّأُ مِنْهَا} أَيْ: يَنْزِلُ {حَيْثُ يَشَاءُ} وَيَصْنَعُ فِيهَا مَا يَشَاءُ.

قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ: " نَشَاءُ " بِالنُّونِ رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ: {مَكَّنَّا} وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ {يَتَبَوَّأُ} .

{نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ} أَيْ: بِنِعْمَتِنَا، {وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَوَهْبٌ: يَعْنِي الصَّابِرِينَ.

قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: فَلَمْ يَزَلْ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدْعُو الْمَلِكَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَيَتَلَطَّفُ لَهُ حَتَّى أَسْلَمَ الْمَلِكُ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ. فَهَذَا فِي الدُّنْيَا.

{وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ} ثَوَابُ الْآخِرَةِ، {خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} .

فَلَمَّا اطْمَأَنَّ يُوسُفُ فِي مُلْكِهِ دَبَّرَ فِي جَمْعِ الطَّعَامِ بِأَحْسَنِ التَّدْبِيرِ، وَبَنَى الْحُصُونَ وَالْبُيُوتَ الْكَثِيرَةَ، وَجَمَعَ فِيهَا الطَّعَامَ لِلسِّنِينَ الْمُجْدِبَةِ، وَأَنْفَقَ بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى خَلَتِ السِّنُونَ الْمُخْصِبَةُ وَدَخَلَتِ السِّنُونَ الْمُجْدِبَةُ بِهَوْلٍ لَمْ يَعْهَدِ النَّاسُ بِمِثْلِهِ.


(١) ساق ابن عطية هذ الرواية عن ابن إسحاق ثم قال: وروي في نحو هذا من القصص ما لا يوقف على صحته، ويطول الكلام بسَوْقه. انظر: المحرر الوجيز. (٨ / ٨) .
(٢) ساق ابن عطية هذ الرواية عن ابن إسحاق ثم قال: وروي في نحو هذا من القصص ما لا يوقف على صحته، ويطول الكلام بسوقه. انظر: المحرر الوجيز. (٨ / ٨) .
(٣) في "أ": مكناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>