للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ سُفْيَانُ: مَنْ لَا يَعْمَلُ بِمَا يَعْلَمُ لَا يَكُونُ عَالِمًا. وَقِيلَ: وَإِنَّهُ لَذُو حِفْظٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ.

{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} مَا يَعْلَمُ يَعْقُوبُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْلُكُوا طَرِيقَ إِصَابَةِ الْعِلْمِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَعْلَمُ الْمُشْرِكُونَ مَا أَلْهَمَ اللَّهُ أَوْلِيَاءَهُ.

{وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٦٩) } .

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ} قَالُوا: هَذَا أَخُونَا الَّذِي أَمَرْتَنَا أَنْ نَأْتِيَكَ بِهِ قَدْ جِئْنَاكَ بِهِ، فَقَالَ: أَحْسَنْتُمْ وَأَصَبْتُمْ، وَسَتَجِدُونَ جَزَاءَ ذَلِكَ عِنْدِي، ثُمَّ أَنْزَلَهُمْ وَأَكْرَمَهُمْ (١) ، ثُمَّ أَضَافَهُمُ وَأَجْلَسَ كُلَّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ عَلَى مَائِدَةٍ، فَبَقِيَ بِنْيَامِينُ وَحِيدًا، فَبَكَى وَقَالَ: لَوْ كَانَ أَخِي يُوسُفُ حَيًّا لَأَجْلَسَنِي مَعَهُ، فَقَالَ يُوسُفُ: لَقَدْ بَقِيَ أَخُوكُمْ هَذَا وَحِيدًا، فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى مَائِدَتِهِ، فَجَعَلَ يُواكِلُهُ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ أَمَرَ لَهُمْ [بِمِثْلِ ذَلِكَ] (٢) وَقَالَ: لِيَنَمْ كُلُّ أَخَوَيْنِ مِنْكُمْ عَلَى مِثَالٍ، فَبَقِيَ بِنْيَامِينُ وَحَدَهُ، فَقَالَ يُوسُفُ: هَذَا يَنَامُ مَعِي عَلَى فِرَاشِي، فَنَامَ مَعَهُ، فَجَعَلَ يُوسُفُ يَضُمُّهُ إِلَيْهِ وَيَشُمُّ رِيحَهُ حَتَّى أَصْبَحَ، وَجَعَلَ رُوبِينُ يَقُولُ: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هَذَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قَالَ لَهُمْ: إِنِّي أَرَى هَذَا الرَّجُلَ لَيْسَ مَعَهُ ثَانٍ فَسَأَضُمُّهُ إِلَيَّ فَيَكُونُ مَنْزِلُهُ مَعِي، ثُمَّ أَنْزَلَهُمْ مُنْزِلًا وَأَجْرَى عَلَيْهِمُ الطَّعَامَ، وَأَنْزَلَ أَخَاهُ لِأُمِّهِ مَعَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:

{آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ} أَيْ: ضَمَّ إِلَيْهِ أَخَاهُ فَلَمَّا خَلَا بِهِ قَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: بِنْيَامِينُ، قَالَ: وَمَا بِنْيَامِينُ؟ قَالَ: ابْنُ الْمُثْكِلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا وُلِدَ هَلَكَتْ أُمُّهُ. قَالَ: وَمَا اسْمُ أُمِّكَ؟ قَالَ: رَاحِيلُ بِنْتُ لَاوِي، فَقَالَ: فَهَلْ لَكَ مِنْ وَلَدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ عَشَرَةُ بَنِينَ، [قَالَ: فَهَلْ لَكَ مِنْ أَخٍ لِأُمِّكَ، قَالَ: كَانَ لِي أَخٌ فَهَلَكَ، قَالَ يُوسُفُ] (٣) أَتُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَخَاكَ بَدَلَ أَخِيكَ الْهَالِكِ، فَقَالَ بِنْيَامِينُ: وَمَنْ يَجِدُ أخًا مِثْلَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ وَلَكِنْ لَمْ يَلِدْكَ يَعْقُوبُ وَلَا رَاحِيلُ، فَبَكَى يُوسُفُ عِنْدَ ذَلِكَ وَقَامَ إِلَيْهِ وَعَانَقَهُ (٤) ، وَقَالَ لَهُ: {قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ} أَيْ: لَا تَحْزَنْ، {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} بِشَيْءٍ فَعَلُوهُ بِنَا فِيمَا مَضَى، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْنَا، وَلَا تُعْلِمْهُمْ شَيْئًا مِمَّا أَعْلَمْتُكُ، ثُمَّ أَوْفَى يُوسُفُ لِإِخْوَتِهِ الْكَيْلَ، وَحَمَّلَ لَهُمْ بَعِيرًا بَعِيرًا، وَلِبِنْيَامِينَ بَعِيرًا بِاسْمِهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِسِقَايَةِ الْمَلِكِ فَجُعِلَتْ فِي رَحْلِ بِنْيَامِينَ.


(١) في "ب" فأكرم مثواهم.
(٢) في "ب": بمثل. والمثل هي: الفرش، واحدها مثال.
(٣) ما بين القوسين من المطبوع، وهي زيادة تناسب السياق.
(٤) هذه التفصيلات في لقاء يوسف لأخيه أخرجها الطبري في التاريخ: ١ / ٣٥٢ ولم يقم عليها دليل، وظاهر الآيات أنه اختلى بأخيه وأطلعه على شأن ما جرى له وعرفه أنه أخوه، وتواطأ معه أنه سيحتال على أن يبقيه عنده معززا مكرما معظما. انظر: ابن كثير: ٢ / ٤٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>