للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ كَانَ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ [فَإِنَّ الْحَيَّ لَا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ] (١) أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَبَرَّهَا قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِقَامَةِ دِينِهِ، [فَاعْرِفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ، وَاتَّبِعُوهُمْ فِي آثَارِهِمْ وَتَمَسَّكُوا بِمَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ وَسِيَرِهِمْ] (٢) ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ (٣) .

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَسُبْحَانَ اللَّهِ} أَيْ: وَقُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ تَنْزِيهًا لَهُ عَمَّا أَشْرَكُوا بِهِ. {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} .

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٠٩) } .

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ} يَا مُحَمَّدُ، {إِلَّا رِجَالًا} لَا مَلَائِكَةً، {نُوحِي إِلَيْهِمْ} قَرَأَ حَفْصٌ: {نُوحِي} بِالنُّونِ وَكَسْرِ الْحَاءِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ.

{مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} يَعْنِي: مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ دُونَ الْبَوَادِي، لِأَنَّ أَهْلَ الْأَمْصَارِ أَعْقَلُ وَأَفْضَلُ وَأَعْلَمُ وَأَحْلَمُ.

[وَقَالَ الْحَسَنُ: لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا مِنْ بَدْوٍ، وَلَا مِنَ الْجِنِّ، وَلَا مِنَ النِّسَاءِ. وَقِيلَ: إِنَّمَا لَمْ يَبْعَثْ] (٤) مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ لِغِلَظِهِمْ وَجَفَائِهِمْ.

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} يَعْنِي: هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ، {فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ} آخِرُ أَمْرِ، {الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يَعْنِي: الْأُمَمَ الْمُكَذِّبَةَ فَيَعْتَبِرُوا.

{وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} يَقُولُ جَلَّ ذِكْرُهُ: هَذَا فِعْلُنَا بِأَهْلِ وِلَايَتِنَا وَطَاعَتِنَا؛ أَنْ نُنْجِيَهُمْ عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ، وَمَا فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لَهُمْ، فَتَرَكَ مَا ذَكَرْنَا اكْتِفَاءً، لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ} قِيلَ: مَعْنَاهُ وَلَدَارُ الْحَالِّ الْآخِرَةِ.

وَقِيلَ: هُوَ إِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ، كَقَوْلِهِ: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ} (الْوَاقِعَةِ -٩٥) وَكَقَوْلِهِمْ: يَوْمُ الْخَمِيسِ، وَرَبِيعُ الْآخَرِ، {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} فَتُؤْمِنُونَ.


(١) ما بين القوسين من "المسند" للإمام أحمد، وهو في المطبوع، وساقط من النسختين الخطيتين.
(٢) ما بين القوسين من "المسند" للإمام أحمد، وهو في المطبوع، وساقط من النسختين الخطيتين.
(٣) أثر موقوف على ابن مسعود، رواه الإمام أحمد في المسند: (٥ / ٢١١) بتحقيق الشيخ أحمد شاكر قال الهيثمي في المجمع: (١ / ١٧٨) : "رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير، ورجاله موثقون".
(٤) ما بين القوسين ساقط من "ب".

<<  <  ج: ص:  >  >>