للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ مُقَاتِلٌ: يَقُولُونَ فِي النَّارِ: تَعَالَوْا نَجْزَعُ، فَيَجْزَعُونَ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ، فَلَا يَنْفَعُهُمُ الْجَزَعُ، ثُمَّ يَقُولُونَ: تَعَالَوْا نَصْبِرُ، فَيَصْبِرُونَ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ فَلَا يَنْفَعُهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَقُولُونَ: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} (١) .

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ (٢) بَلَغَنِي أَنَّ أَهْلَ النَّارِ اسْتَغَاثُوا بِالْخَزَنَةِ. فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ} (غَافِرٍ -٤٩) ، فَرَدَّتِ الْخَزَنَةُ عَلَيْهِمْ: "أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى"، فَرَدَّتِ الخزنة عليهم: {ادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} (غَافِرٍ -٥٠) فَلَمَّا يَئِسُوا مِمَّا عِنْدَ الْخَزَنَةِ نَادَوْا: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} (الزُّخْرُفِ -٧٧) سَأَلُوا الْمَوْتَ، فَلَا يُجِيبُهُمْ ثَمَانِينَ سَنَةً وَالسَّنَةُ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةِ يَوْمًا، وَالْيَوْمُ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، ثُمَّ لَحَظَ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الثَّمَانِينَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ، فَلَمَّا يَئِسُوا مِمَّا قَبْلَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِنَ الْبَلَاءِ مَا تَرَوْنَ فَهَلُمُّوا فَلْنَصْبِرْ، فَلَعَلَّ الصَّبْرَ يَنْفَعُنَا كَمَا صَبَرَ أَهْلُ الدُّنْيَا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ فَنَفَعَهُمْ، فَأَجْمَعُوا عَلَى الصَّبْرِ، فَطَالَ صَبْرُهُمْ ثُمَّ جَزِعُوا فَنَادَوْا: "سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ"، أَيْ: مِنْ مَنْجَى.

قَالَ: فَقَامَ إِبْلِيسُ عِنْدَ ذَلِكَ فَخَطَبَهُمْ، فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ" الْآيَةَ، فَلَمَّا سَمِعُوا مَقَالَتَهُ مَقَتُوا أَنْفُسَهُمْ فَنُودُوا: {لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} (غَافِرٍ -١٠) قَالُوا فَنَادَوُا الثَّانِيَةَ: "فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ"، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} الْآيَاتِ (السَّجْدَةِ -١٢، ١٣) فَنَادَوُا الثَّالِثَةَ: {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} (إِبْرَاهِيمَ ٤٤) ، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ: {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} الْآيَاتِ (إِبْرَاهِيمَ -٤٤) ، ثُمَّ نَادَوُا الرَّابِعَةَ: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} فَرَدَّ عَلَيْهِمْ: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} ، الْآيَةَ (فَاطِرٍ -٣٧) قَالَ: فَمَكَثَ عَلَيْهِمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ نَادَاهُمْ: "أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ"، فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ قَالُوا: الْآنَ يَرْحَمُنَا، فَقَالُوا عِنْدَ ذَلِكَ: "رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ، رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ"، قَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} (الْمُؤْمِنُونَ ١٠٥-١٠٨) فَانْقَطَعَ عِنْدَ ذَلِكَ الرَّجَاءُ وَالدُّعَاءُ عَنْهُمْ، فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَنْبَحُ بَعْضُهُمْ فِي وُجُوهِ بَعْضٍ، وَأُطْبِقَتْ عَلَيْهِمُ النَّارُ.


(١) رواه الطبراني عن كعب بن مالك مرفوعا، وأخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه وفيه أنس بن القاسم. قال ابن أبي حاتم: هو مجهول. انظر: مجمع الزوائد: ٧ / ٤٣، الدر المنثور: ٥ / ١٧، الجرح والتعديل: ٢ / ٢٨٨.
(٢) انظر: الدر المنثور: ٥ / ١٨، تفسير الطبري: ١٦ / ٥٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>