للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَزِيدُوا فِيهِ، أَوْ يَنْقُصُوا مِنْهُ، أَوْ يُبَدِّلُوا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} (فُصِّلَتْ-٤٢) وَالْبَاطِلُ: هُوَ إِبْلِيسُ، لَا يَقْدِرُ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَلَا أَنْ يَنْقُصَ مِنْهُ مَا هُوَ مِنْهُ.

وَقِيلَ الْهَاءُ فِي "لَهُ" رَاجِعَةٌ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ: إِنَّا لِمُحَمَّدٍ لَحَافِظُونَ مِمَّنْ أَرَادَهُ بِسُوءٍ كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (الْمَائِدَةِ-٦٧) .

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (١١) كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) } .

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ} أَيْ: رُسُلًا {فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ} أَيْ: فِي [الْأُمَمِ وَالْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ] (١) .

وَالشِّيعَةُ: هُمُ الْقَوْمُ الْمُجْتَمِعُونَ (٢) الْمُتَّفِقَةُ كَلِمَتُهُمْ.

{وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} كَمَا فَعَلُوا بِكَ، ذَكَرَهُ (٣) تَسْلِيَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

{كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ} أَيْ: كَمَا سَلَكْنَا الْكُفْرَ وَالتَّكْذِيبَ وَالِاسْتِهْزَاءَ بِالرُّسُلِ (٤) فِي قُلُوبِ شِيَعِ الْأَوَّلِينَ، كَذَلِكَ [نَسْلُكُهُ: نُدْخِلُهُ] (٥) {فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} يَعْنِي: مُشْرِكِي مَكَّةَ قَوْمَكَ. وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ (٦) .

{لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ} يَعْنِي: لَا يُؤْمِنُونَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْقُرْآنِ {وَقَدْ خَلَتْ} مَضَتْ {سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ} أَيْ: وَقَائِعُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِهْلَاكِ فِيمَنْ كَذَّبَ الرُّسُلَ مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، يُخَوِّفُ أَهْلَ مَكَّةَ.

{وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ} يَعْنِي: عَلَى الَّذِينَ يَقُولُونَ لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ {بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ} أَيْ: فَظَلَّتِ الْمَلَائِكَةُ يَعْرُجُونَ فِيهَا، وَهُمْ يَرَوْنَهَا عِيَانًا، هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ.


(١) في "ب" أمم الأولين الماضية.
(٢) في "أ" المجتمعة.
(٣) ساقط من "ب".
(٤) ساقط من "ب".
(٥) ساقط من "ب".
(٦) القدرية هم الذين ينكرون القدر، فيقولون: لا قدر والأمر أُنُف، ويزعمون أن كل عبد خالق لفعله، فالأمور يستأنف العلم بها، وتستأنف - بالتالي - إرادتها، وكأنهم بهذا ينفون الإرادة الأزلية والعلم الأزلي ليخرجوا فعل الإنسان عن نطاق قدرة الخلاق العليم. انظر: الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية، بتحقيقنا، ص (٥٧) تعليق (٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>