للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (٧١) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٢) }

{وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ} يَعْنِي سَدُومَ {يَسْتَبْشِرُونَ} بِأَضْيَافِ لُوطٍ، أَيْ: يُبَشِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، طَمَعًا فِي رُكُوبِ الْفَاحِشَةِ مِنْهُمْ.

{قَالَ} لُوطٌ لِقَوْمِهِ {إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي} وَحَقٌّ عَلَى الرَّجُلِ إِكْرَامُ ضَيْفِهِ {فَلَا تَفْضَحُونِ} فِيهِمْ.

{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ} وَلَا تُخْجِلُونِ.

{قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ} أَيْ: أَلَمْ نَنْهَكَ عَنْ أَنْ تُضِيفَ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ.

وَقِيلَ: أَلَمْ نَنْهَكَ أَنْ تُدْخِلَ الْغُرَبَاءَ الْمَدِينَةَ، فَإِنَّا نَرْكَبُ مِنْهُمُ الْفَاحِشَةَ.

{قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي} أُزَوِّجُهُنَّ إِيَّاكُمْ إِنْ أَسْلَمْتُمْ (١) فَأْتُوا الْحَلَالَ وَدَعَوُا الْحَرَامَ {إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} مَا آمُرُكُمْ بِهِ.

وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْبَنَاتِ نِسَاءَ قَوْمِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ كَالْوَالِدِ لِأُمَّتِهِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَعَمْرُكَ} يَا مُحَمَّدُ أَيْ وَحَيَاتِكَ {إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ} حَيْرَتِهِمْ وَضَلَالَتِهِمْ، {يَعْمَهُونَ} يَتَرَدَّدُونَ.

قَالَ قَتَادَةُ: يَلْعَبُونَ.

رُوِيَ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا خَلَقَ اللَّهُ نَفْسًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِحَيَاةِ أَحَدٍ إِلَّا بِحَيَاتِهِ (٢) .


(١) قال ابن عطية بعد أن ذكر الخلاف في تأويل قوله "بناتي" ... ويلزم من هذا التأويل أن يكون في شرعه جواز زواج الكافر للمؤمنة، وقد ورد أن المؤمنات به قليل جدا. وقال: ويحتمل أن يريد عليه السلام بقوله: "هؤلاء بناتي" بنات صلبه، ويكون ذلك على طريق المجاز، وهو لا يحقق في إباحة بناته، وهذا كما تقول لإنسان تراه يريد قتل آخر: اقتلني ولا تقتله، فإنما ذلك على جهة التشنيع عليه، والاستنزال من جهة ما، واستدعاء الحياء منه، وهذا كله من مبالغة القول الذي لا يدخله معنى الكذب، بل الغرض منه مفهوم، وعليه قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ولو كمفحص قطاة".. إلى غير هذا من الأمثلة. انظر: المحرر الوجيز: ٨ / ٣٣٧-٣٣٨.
(٢) أخرجه الطبري في التفسير: ١٤ / ٤٤، والحارث بن أبي أسامة في مسنده، وأبو يعلى، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي في "الدلائل". وسكت عليه البوصيري. انظر: الدر المنثور: ٥ / ٨٩، المطالب العالية لابن حجر: ٣ / ٣٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>