للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (٧) }

{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أَيِ: ارْتَفَعَ عَمَّا يُشْرِكُونَ. {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ} جَدِلٌ بِالْبَاطِلِ، {مُبِينٌ}

نَزَلَتْ فِي أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ، وَكَانَ يُنْكِرُ الْبَعْثَ جَاءَ بِعَظْمٍ رَمِيمٍ فَقَالَ: أَتَقُولُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يحيي هذا بعدما قَدْ رَمَّ؟ كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ "وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ" (يَس-٧٧) ، نَزَلَتْ فِيهِ أَيْضًا (١) .

وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ، وَفِيهَا بَيَانُ الْقُدْرَةِ وَكَشْفُ قَبِيحِ مَا فَعَلُوهُ، مِنْ جَحْدِ نِعَمِ اللَّهِ مَعَ ظُهُورِهَا عَلَيْهِمْ (٢) . قَوْلُهُ تَعَالَى {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا} يَعْنِي الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ، {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} يَعْنِي: مِنْ أَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَصْوَافِهَا مَلَابِسَ وَلُحُفًا تَسْتَدْفِئُونَ بِهَا، {وَمَنَافِعُ} بِالنَّسْلِ وَالدَّرِّ وَالرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ وَغَيْرِهَا، {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} يَعْنِي لُحُومَهَا. {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ} زِينَةٌ، {حِينَ تُرِيحُونَ} أَيْ: حِينَ تَرُدُّونَهَا بِالْعَشِيِّ مِنْ مَرَاعِيهَا إِلَى مَبَارِكِهَا الَّتِي تَأْوِي إِلَيْهَا، {وَحِينَ تَسْرَحُونَ} أَيْ: تُخْرِجُونَهَا بِالْغَدَاةِ مِنْ مَرَاحِهَا إِلَى مَسَارِحِهَا، وَقَدَّمَ الرَّوَاحَ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تُؤْخَذُ مِنْهَا بَعْدَ الرَّوَاحِ، وَمَالِكُهَا يَكُونُ أَعْجَبَ بِهَا إِذَا رَاحَتْ. {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ} أَحْمَالَكُمْ، {إِلَى بَلَدٍ} آخَرَ غَيْرِ بَلَدِكُمْ. قَالَ عِكْرِمَةُ: الْبَلَدُ مَكَّةُ، {لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} أَيْ: بِالْمَشَقَّةِ وَالْجُهْدِ. وَالشِّقُّ: النِّصْفُ أَيْضًا أَيْ: لَمْ تَكُونُوا بَالِغَيْهِ


(١) أسباب النزول للواحدي ص (٣٢٢) ، القرطبي: ١٠ / ٦٧، زاد المسير: ٤ / ٤٢٨.
(٢) وهذا ما رجحه الطبري حيث قال: " عنى بالإنسان: جميع الناس، أخرج بلفظ الواحد، وهو في معنى الجميع"، وإليه مال ابن عطية في تفسيره. ويدخل سبب النزول المذكور في معنى الآية وتبقى هي أعم. انظر: الطبري: ١٤ / ٧٨، المحرر الوجيز: ٨ / ٣٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>