للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (١١) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (١٢) }

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ} حُذِفَ الْوَاوُ لَفْظًا لِاسْتِقْبَالِ اللَّامِ السَّاكِنَةِ كَقَوْلِهِ: "سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ" (الْعَلَقِ-١٨) ، وَحُذِفَ فِي الْخَطِّ أَيْضًا وَهِيَ غَيْرُ مَحْذُوفَةٍ فِي الْمَعْنَى. وَمَعْنَاهُ: وَيَدْعُو الْإِنْسَانُ عَلَى مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَنَفْسِهِ، {بِالشَّرِّ} فَيَقُولُ عِنْدَ الْغَضَبِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ وَأَهْلِكْهُ وَنَحْوَهُمَا، {دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ} أَيْ: كَدُعَائِهِ رَبَّهُ [بِالْخَيْرِ] (١) أَنْ يَهَبَ لَهُ النِّعْمَةَ وَالْعَافِيَةَ وَلَوِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَهَلَكَ وَلَكِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ بِفَضْلِهِ {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} بِالدُّعَاءِ عَلَى مَا يَكْرَهُ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ فِيهِ. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضَجِرًا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} أَيْ: عَلَامَتَيْنِ دَالَّتَيْنِ عَلَى وُجُودِنَا وَوَحْدَانِيِّتِنَا وَقُدْرَتِنَا {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَعَلَ اللَّهُ نُورَ الشَّمْسِ سَبْعِينَ جُزْءًا وَنُورَ الْقَمَرِ كَذَلِكَ فَمَحَا مِنْ نُورِ الْقَمَرِ تِسْعَةً وَسِتِّينَ جُزْءًا فَجَعَلَهَا مَعَ نُورِ الشَّمْسِ (٢) .

وَحَكَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ جِبْرِيلَ فَأَمَرَّ جَنَاحَهُ عَلَى وَجْهِ الْقَمَرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَطُمِسَ عَنْهُ الضَّوْءُ وَبَقِيَ فِيهِ النُّورُ.

وَسَأَلَ ابْنُ الْكَوَّاءِ عَلِيًّا عَنِ السَّوَادِ الَّذِي فِي الْقَمَرِ؟ قَالَ: هُوَ أَثَرُ الْمَحْوِ (٣) .

{وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} مُنِيرَةً مُضِيئَةً يَعْنِي يُبْصَرُ بِهَا. قَالَ الْكِسَائِيُّ: تَقُولُ الْعَرَبُ أَبْصَرَ النَّهَارُ إِذَا أَضَاءَ بِحَيْثُ يُبْصَرُ بِهَا {لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} أَيْ: لَوْ تَرَكَ اللَّهُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كَمَا خَلَقَهُمَا لَمْ يُعْرَفِ اللَّيْلُ مِنَ النَّهَارِ وَلَمْ يَدْرِ الصَّائِمُ مَتَى يُفْطِرُ وَلَمْ يُدْرَ وَقْتُ الْحَجِّ وَلَا وَقْتُ حُلُولِ الْآجَالِ وَلَا وَقْتُ السُّكُونِ وَالرَّاحَةِ. {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا}


(١) ساقط من "أ".
(٢) عزاه السيوطي لعبد بن حميد، وابن المنذر. انظر: الدر المنثور: ٥ / ٢٤٨.
(٣) قال ابن كثير: (٣ / ٢٨) : رواه ابن جرير من طرق متعددة جيدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>