للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} نَاصِرًا وَلَا ثَائِرًا وَ"تَبِيعُ" بِمَعْنَى تَابِعٍ أَيْ تَابِعًا مُطَالِبًا بِالثَّأْرِ. وَقِيلَ: مَنْ يُتْبِعُنَا بِالْإِنْكَارِ.

قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو "أَنْ نَخْسِفَ وَنُرْسِلَ وَنُعِيدَكُمْ فَنُرْسِلَ فَنُغْرِقَكُمْ" بِالنُّونِ فِيهِنَّ لِقَوْلِهِ "عَلَيْنَا" وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ لِقَوْلِهِ" "إِلَّا إِيَّاهُ" وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ: " فَتُغْرِقَكُمْ " بِالتَّاءِ يَعْنِي الرِّيحَ.

{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (٧٠) }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ بِالْأَيْدِي وَغَيْرُ الْآدَمِيِّ يَأْكُلُ بِفِيهِ مِنَ الْأَرْضِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: بِالْعَقْلِ.

وَقَالَ الضَّحَاكُ: بِالنُّطْقِ وَقَالَ عَطَاءٌ: بِتَعْدِيلِ الْقَامَةِ وَامْتِدَادِهَا وَالدَّوَابُّ مُنْكَبَّةٌ عَلَى وُجُوهِهَا وَقِيلَ: بِحُسْنِ الصُّورَةِ وَقِيلَ: الرِّجَالُ بِاللِّحَى وَالنِّسَاءُ بِالذَّوَائِبِ وَقِيلَ: بِأَنْ سَخَّرَ لَهُمْ سَائِرَ الْأَشْيَاءِ وَقِيلَ: بِأَنَّ مِنْهُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ (١) .

{وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} أَيْ: حَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ عَلَى الدَّوَابِّ وَفِي الْبَحْرِ عَلَى السُّفُنِ.

{وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} يَعْنِي: لَذِيذَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ قَالَ مُقَاتِلٌ: السَّمْنُ وَالزُّبْدُ وَالتَّمْرُ وَالْحَلْوَى وَجَعَلَ رِزْقَ غَيْرِهِمْ مَا لَا يَخْفَى.

{وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّهُ فَضَّلَهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَهُمْ لَا عَلَى الْكُلِّ.

وَقَالَ قَوْمٌ: فُضِّلُوا عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ إِلَّا عَلَى الْمَلَائِكَةِ.

وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: فُضِّلُوا عَلَى الْخَلَائِقِ كُلِّهِمْ إِلَّا عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَمَلَكِ الْمَوْتِ وَأَشْبَاهِهِمْ.

وَفِي تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْبَشَرِ اخْتِلَافٌ فَقَالَ قَوْمٌ: فُضِّلُوا عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ وَعَلَى الْمَلَائِكَةِ كُلِّهِمْ وَقَدْ يُوضَعُ الْأَكْثَرُ مَوْضِعَ الْكُلِّ كَمَا قَالَ تَعَالَى: "هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ" إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ" (الشُّعَرَاءِ-٢٢١-٢٢٢) أَيْ: كُلُّهُمْ.


(١) انظر: زاد المسير: ٥ / ٦٣ تفسير القرطبي: ١٠ / ٢٩٤، ورجح القرطبي أن التفضيل إنما كان بالعقل الذي هو عمدة التكليف وبه يعرف الله ويفهم كلامه ويوصل إلى نعيمه وتقديم رسله إلا أنه لما لم ينهض بكل المراد من العبد بعثت الرسل وأنزلت الكتب فمثال الشرع: الشمس ومثال العقل: العين فإذا فتحت وكانت سليمة رأت الشمس وأدركت تفاصيل الأشياء وما تقدم من الأقوال بعضه أقوى من بعض وقد جعل الله في بعض الحيوان خصالا يفضل بها ابن آدم أيضا كجري الفرس وسمعه وإبصاره وقوة الفيل وشجاعة الأسد وكرم الديك وإنما التكريم والتفضيل بالعقل كما بيناه والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>