للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقِيلَ: بِمَعْبُودِهِمْ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: كُلُّ قَوْمٍ يَجْتَمِعُونَ إِلَى رَئِيسِهِمْ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: {بِإِمَامِهِمْ} قِيلَ: يَعْنِي بِأُمَّهَاتِهِمْ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مِنَ الْحِكْمَةِ أَحَدُهَا: لِأَجْلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالثَّانِي: لِشَرَفِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَالثَّالِثِ: لِئَلَّا يَفْتَضِحَ أَوْلَادُ الزِّنَا (١) .

{فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} أَيْ لَا يَنْقُصُ مِنْ حَقِّهِمْ قَدْرُ فَتِيلٍ (٢) .

{وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (٧٢) }

{وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى} اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْإِشَارَةِ فَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى النِّعَمِ الَّتِي عَدَّدَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ قَوْلِهِ: {رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ} إِلَى قَوْلِهِ {تَفْضِيلًا} يَقُولُ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ فِي هَذِهِ النِّعَمِ الَّتِي قَدْ عَايَنَ أَعْمَى {فَهُوَ فِي} أَمْرِ {الْآخِرَةِ} الَّتِي لَمْ يُعَايِنْ وَلَمْ يَرَ {أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا} يُرْوَى هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (٣) .

وَقَالَ الْآخَرُونَ: هِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى الدُّنْيَا يَقُولُ: مَنْ كَانَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَعْمَى الْقَلْبِ عَنْ رُؤْيَةِ قُدْرَةِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرُؤْيَةِ الْحَقِّ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى أَيْ: أَشَدُّ عَمًى وَأَضَلُّ سَبِيلًا أَيْ: أَخْطَأُ طَرِيقًا (٤) .

وَقِيلَ: مَنْ كَانَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَعْمَى عَنِ الِاعْتِبَارِ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى عَنِ الِاعْتِذَارِ.

وَقَالَ الْحَسَنُ: مَنْ كَانَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا ضَالًّا كَافِرًا فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا لِأَنَّهُ فِي الدُّنْيَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَفِي الْآخِرَةِ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ (٥) .


(١) انظر هذه الأقوال وأقوالا أخرى في: تفسير القرطبي: ١٠ / ٢٩٦-٢٩٧، الطبري: ١٥ / ١٢٦-١٢٧، زاد المسير: ٥ / ٦٤-٦٥، الدر المنثور: ٥ / ٣١٦-٣١٧. وقال الطبري: وأولى الأقوال عندنا بالصواب قول من قال: معنى ذلك: يوم ندعو كل أناس بإمامهم الذي كانوا يقتدون به ويأتمون به في الدنيا لأن الأغلب من استعمال العرب "الإمام" فيما ائتم واقتدى به. وتوجيه معاني كلام الله إلى الأشهر أولى ما لم تثبت حجة بخلافه يجب التسليم لها.
(٢) "الفتيل" المفتول وسمي ما يكون في شق النواة فتيلا لكونه على هيئة المفتول وهو ما تفتله بين أصابعك من خيط أو وسخ ويضرب به المثل في الشيء الحقير وناقة فتلاء الذراعين: محكمة. انظر: مفردات القرآن للراغب الأصفهاني ص (٣٧١) .
(٣) أخرجه الفريابي وابن حاتم. انظر: الدر المنثور: ٥ / ٣١٧.
(٤) الدر المنثور: ٥ / ٣١٧.
(٥) ورجح الطبري قول من قال معنى ذلك: ومن كان في هذه الدنيا أعمى عن حجج الله على أنه المنفرد بخلقها وتدبيرها وتصريف ما فيها فهو في أمر الآخرة التي لم يرها ولم يعاينها وفيما هو كائن فيها أعمى وأضل سبيلا يقول: وأضل طريقا منه في أمر الدنيا التي قد عاينها ورآها.. لأن الله تعالى لم يخصص في قوله: "ومن كان في هذه أعمى" عمى الكافر به عن بعض حججه عليه فيها دون بعض فيوجه ذلك إلى عماه عن نعمه بما أنعم به عليه من تكريمه بني آدم ... ". انظر: تفسير الطبري: ١٥ / ١٢٨-١٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>