للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْخَضِرَ فَحَمَلُوهُمْ بِغَيْرِ نَوْلٍ فَلَمَّا لَجَّجُوا الْبَحْرَ أَخَذَ الْخَضِرُ فَأْسًا فَخَرَقَ لَوْحًا مِنَ السَّفِينَةِ" (١) فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:

{حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ} لَهُ مُوسَى {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: "لِيَغْرَقَ" بِالْيَاءِ وَفَتْحِهَا وَفَتْحِ الرَّاءِ " أَهْلُهَا " بِالرَّفْعِ عَلَى اللُّزُومِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: بِالتَّاءِ وَرَفْعِهَا وَكَسْرِ الرَّاءِ {أَهْلَهَا} بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ لِلْخَضِرِ.

{لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} أَيْ: مُنْكَرًا وَالْإِمْرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الدَّاهِيَةُ وَأَصْلُهُ: كُلُّ شَيْءٍ شَدِيدٌ كَثِيرٌ (٢) يُقَالُ: أَمِرَ الْقَوْمُ: إِذَا كَثُرُوا وَاشْتَدَّ أَمْرُهُمْ.

وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ {إِمْرًا} أَيْ: عَجَبًا.

وَرُوِيَ أَنَّ الْخَضِرَ لَمَّا خَرَقَ السَّفِينَةَ لَمْ يَدْخُلْهَا الْمَاءُ. وَرُوِيَ أَنَّ مُوسَى لَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَخَذَ ثَوْبَهُ فَحَشَّى بِهِ الْخَرْقَ. وَرُوِيَ أَنَّ الْخَضِرَ أَخَذَ قَدَحًا مِنَ الزُّجَاجِ وَرَقَّعَ بِهِ خَرْقَ السَّفِينَةِ.

{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٧٢) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (٧٣) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (٧٤) }

{قَالَ} الْعَالِمُ وَهُوَ الْخَضِرُ {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} {قَالَ} مُوسَى {لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ لَمْ يَنْسَ وَلَكِنَّهُ مِنْ مَعَارِيضِ الْكَلَامِ فَكَأَنَّهُ نَسِيَ شَيْئًا آخَرَ (٣) وَقِيلَ: مَعْنَاهُ بِمَا تَرَكْتُ مِنْ عَهْدِكَ وَالنِّسْيَانُ: التَّرْكُ. وَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَانَتِ الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا وَالْوُسْطَى شَرْطًا وَالثَّالِثَةُ عَمْدًا" (٤) . {وَلَا تُرْهِقْنِي} وَلَا تَغْشَنِي {مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} وَقِيلَ: لَا تُكَلِّفْنِي مَشَقَّةً يُقَالُ: أَرْهَقْتُهُ عُسْرًا أَيْ: كَلَّفْتُهُ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا تُضَيِّقْ عَلَيَّ أَمْرِي وَعَامِلْنِي بِالْيُسْرِ وَلَا تُعَامِلْنِي بِالْعُسْرِ. {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ} فِي الْقِصَّةِ أَنَّهُمَا خَرَجَا مِنَ الْبَحْرِ يَمْشِيَانِ فَمَرَّا بِغِلْمَانٍ يَلْعَبُونَ فَأَخَذَ الْخَضِرُ غُلَامًا ظَرِيفًا وَضِيءَ الْوَجْهِ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ بِالسِّكِّينِ.

قَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ أَحْسَنَهُمْ وَجْهًا وَكَانَ وَجْهُهُ يَتَوَقَّدُ حُسْنًا.


(١) تقدم تخريجه وهو في البخاري باب العلم: ١ / ٢١٨.
(٢) في "ب": كبير.
(٣) انظر: البحر المحيط: ٦ / ١٥٠، القرطبي: ١١ / ٢٢.
(٤) تقدم تخريجها ضمن رواية كعب في الصحيحين، وانظر البخاري: ٥ / ٣٢٦، مسلم: ٤ / ١٨٤٧-١٨٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>