للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: لَمَّا قَدِمْتُ نَجْرَانَ سَأَلُونِي، فَقَالُوا: إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ: {يَا أُخْتَ هَارُونَ} وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا! فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمَّوْنَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ" (١) .

وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ هَارُونُ أَخَا مَرْيَمَ مِنْ أَبِيهَا، وَكَانَ أَمْثَلَ رَجُلٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: إِنَّمَا عَنَوْا بِهِ هَارُونَ أَخَا مُوسَى، لِأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ نَسْلِهِ كَمَا يُقَالُ لِلتَّمِيمِيِّ: يَا أَخَا تَمِيمٍ.

وَقِيلَ: كَانَ هَارُونُ رَجُلًا (٢) فَاسِقًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ عَظِيمَ الْفِسْقِ فَشَبَّهُوهَا بِهِ (٣) .

{مَا كَانَ أَبُوكِ} عِمْرَانُ {امْرَأَ سَوْءٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: زَانِيًا، {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ} حَنَّةُ {بَغِيًّا} أَيْ زَانِيَةً، فَمِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا الْوَلَدُ؟

{فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩) }

{فَأَشَارَتْ} مَرْيَمُ {إِلَيْهِ} أَيْ إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنْ كَلِّمُوهُ.

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمَّا لَمْ تَكُنْ لَهَا حُجَّةٌ أَشَارَتْ إِلَيْهِ لِيَكُونَ كَلَامُهُ حُجَّةً لَهَا (٤) .

وَفِي الْقِصَّةِ: لَمَّا أَشَارَتْ إِلَيْهِ غَضِبَ الْقَوْمُ، وَقَالُوا مَعَ مَا فَعَلْتِ تَسْخَرِينَ بِنَا؟ (٥) .

{قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} أَيْ: مَنْ هُوَ فِي الْمَهْدِ، وَهُوَ حِجْرُهَا.

وَقِيلَ: هُوَ الْمَهْدُ بِعَيْنِهِ، و"كَانَ" بِمَعْنَى: هُوَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: "كَانَ" صِلَةٌ، أَيْ: كَيْفَ نُكَلِّمُ صَبِيًّا فِي الْمَهْدِ. وَقَدْ يَجِيءُ "كَانَ" حَشْوًا فِي الْكَلَامِ لَا مَعْنَى لَهُ كَقَوْلِهِ "هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا" (الإِسْرَاءِ:٩٣) أَيْ: هَلْ أَنَا (٦) ؟

قَالَ السُّدِّيُّ: فَلَمَّا سَمِعَ عِيسَى كَلَامَهُمْ تَرَكَ الرِّضَاعَ وَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ.

وَقِيلَ: لَمَّا أَشَارَتْ إِلَيْهِ تَرَكَ الثَّدْيَ وَاتَّكَأَ عَلَى يَسَارِهِ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ وَجَعَلَ يُشِيرُ بِيَمِينِهِ:


(١) أخرجه مسلم في الآداب، باب النهي عن التكني بأبي القاسم، برقم (٢١٣٥) : ٣ / ١٦٨٥، والمصنف في شرح السنة: ١٢ / ٣٢٨.
(٢) ساقط من "أ".
(٣) انظر في ذه الأقوال: "تفسير الطبري": ١٦ / ٧٧-٧٨، "الدر المنثور": ٥ / ٥٠٧-٥٠٨، زاد المسير": ٥ / ٢٢٧. قال الطبري: "والصواب من القول في ذلك ما جاء به الخبر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي ذكرناه، وأنها نسبت إلى رجل من قومها".
(٤) انظر "تفسير الخازن": ٤ / ١٩٨.
(٥) انظر "البحر المحيط": ٦ / ١٨٧.
(٦) انظر في هذا كله: "تفسير الطبري": ١٦ / ٧٩، "البحر المحيط": ٦ / ١٨٧، "زاد المسير": ٥ / ٢٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>