للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (١٨) }

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ} أَيْ: سَبْعَ سَمَوَاتٍ، سُمِّيَتْ طَرَائِقَ لِتَطَارُقِهَا، وَهُوَ أَنَّ بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ، يُقَالُ: طَارَقْتُ النَّعْلَ إِذَا جَعَلْتُ بَعْضَهُ فَوْقَ بَعْضٍ. وَقِيلَ: سُمِّيَتْ طَرَائِقَ لِأَنَّهَا طَرَائِقُ الْمَلَائِكَةِ. {وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ} أَيْ كُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ مِنْ أَنْ تَسْقُطَ السَّمَاءُ عَلَيْهِمْ فَتُهْلِكُهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ" (الحَجِّ -٦٥) .

وَقِيلَ: مَا تَرَكْنَاهُمْ سُدَىً بِغَيْرِ أَمْرٍ وَنَهْيٍ.

وَقِيلَ: وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ أَيْ بَنَيْنَا فَوْقَهُمْ سَمَاءً أَطْلَعْنَا فِيهَا الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْكَوَاكِبَ. {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ} يَعْلَمُهُ اللَّهُ. قَالَ مُقَاتِلٌ: بِقَدْرِ مَا يَكْفِيهِمْ لِلْمَعِيشَةِ، {فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ} يُرِيدُ مَا يَبْقَى فِي الْغُدْرَانِ وَالْمُسْتَنْقَعَاتِ، يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ فِي الصَّيْفِ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْمَطَرِ. وَقِيلَ: فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ أَخْرَجْنَا مِنْهَا يَنَابِيعَ، فَمَاءُ الْأَرْضِ كُلُّهُ مِنَ السَّمَاءِ، {وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} حَتَّى تَهْلَكُوا عَطَشًا وَتَهْلَكَ مَوَاشِيكُمْ وتخرب أراضيكم ٣١/أوَفِي الْخَبَرِ: "أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ أَرْبَعَةَ أَنْهَارٍ مِنَ الْجَنَّةِ: سَيْحَانُ، وَجَيْحَانُ، وَدِجْلَةُ، وَالْفُرَاتُ" (١) .

وَرَوَى مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ مِنَ الْجَنَّةِ خَمْسَةَ أَنْهَارٍ: جَيْحُونَ، وَسَيَحْوُنَ، وَدِجْلَةَ، وَالْفُرَاتَ، وَالنِّيلَ، أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ مِنْ عُيُونِ الْجَنَّةِ، مِنْ أَسْفَلِ دَرَجَةٍ مِنْ دَرَجَاتِهَا، عَلَى جَنَاحَيْ جِبْرِيلَ، اسْتَوْدَعَهَا اللَّهُ الْجِبَالَ، وَأَجْرَاهَا فِي الْأَرْضِ، وَجَعَلَ فِيهَا مَنَافِعَ لِلنَّاسِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: "وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ"، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَرْسَلَ اللَّهُ جِبْرِيلَ فَرَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ الْقُرْآنَ، وَالْعِلْمَ كُلَّهُ وَالْحَجَرَ الْأَسْوَدِ مِنْ رُكْنِ الْبَيْتِ، وَمَقَامَ إِبْرَاهِيمَ وَتَابُوتَ مُوسَى بِمَا فِيهِ، وَهَذِهِ الْأَنْهَارَ اَلْخَمْسَةَ، فَيَرْفَعُ كُلُّ ذَلِكَ إِلَى السَّمَاءِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} فَإِذَا رُفِعَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنَ الْأَرْضِ فَقَدَ أَهْلُهَا خَيْرَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا" (٢) .

وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْإِمَامُ الْحَسَنُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ بِالْإِجَازَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَابِقٍ الْإِسْكَنْدَرَانِيِّ، عَنْ مُسْلِمَةَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُقَاتِلٍ بْنِ حَيَّانَ (٣) .


(١) عزاه السيوطي في الدر: ٦ / ٩٥ لابن أبي الدنيا عن ابن عطاف.
(٢) عزاه السيوطي في الدر: ٦ / ٩٥ لابن مردويه والخطيب بسند ضعيف وانظر: البحر المحيط: ٦ / ٤٠٠.
(٣) مسلمة بن علي الخشني متروك. انظر التقريب لابن حجر.

<<  <  ج: ص:  >  >>