للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَعِنْدَ الْآخَرِينَ اللِّعَانُ حُجَّةٌ عَلَى صِدْقِهِ، وَالْقَاذِفُ إِذَا قَعَدَ عَنْ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى صِدْقِهِ لَا يُحْبَسُ بَلْ يُحَدُّ كَقَاذِفُ الْأَجْنَبِيِّ إِذَا قَعَدَ عَنْ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُوجَبُ اللِّعَانِ وُقُوعُ الْفُرْقَةِ وَنُفِيُ النَّسَبِ، وَهُمَا لَا يَحْصُلَانِ إِلَّا بِلِعَانِ الزَّوْجَيْنِ جَمِيعًا، وَقَضَاءِ الْقَاضِي.

وَفُرْقَةُ اللِّعَانِ فُرْقَةُ فَسْخٍ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَتِلْكَ الْفُرْقَةُ مُتَأَبِّدَةٌ حَتَّى لَوْ كَذَّبَ الزَّوْجُ نَفْسَهُ يُقْبَلُ ذَلِكَ فِيمَا عَلَيْهِ دُونَ مَا لَهُ، فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ ويلحقه الولد ٣٦/أوَلَكِنْ لَا يَرْتَفِعُ تَأْبِيدُ التَّحْرِيمِ.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فُرْقَةُ اللِّعَانِ فُرْقَةُ طَلَاقٍ فَإِذَا كَذَّبَ الزَّوْجُ نَفْسَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا. وَإِذَا أَتَى بِبَعْضِ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إِذَا أَتَى بِأَكْثَرِ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ قَامَ مَقَامَ الْكُلِّ فِي تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهِ.

وَكُلُّ مَنْ صَحَّ يَمِينُهُ صَحَّ لِعَانُهُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَالْحَسَنِ، وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يَجْرِي اللِّعَانُ إِلَّا بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ حُرَّيْنِ غَيْرِ مَحْدُودَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ فَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا.

وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ يَجْرِي اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالْمَحْدُودِ وَغَيْرِهِ كَمَا قَالَ: "الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ" (الْمُجَادَلَةِ-٢) ، ثُمَّ يَسْتَوِي الْحُرُّ وَالْعَبْدُ هُنَا فِي الظِّهَارِ، وَلَا يَصِحُّ اللِّعَانُ إِلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ خَلِيفَتِهِ.

وَيُغَلَّظُ اللِّعَانُ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءٍ: بِعَدَدِ الْأَلْفَاظِ، وَالْمَكَانِ، وَالزَّمَانِ، وَأَنْ يَكُونَ بِمَحْضَرِ جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ. أَمَّا الْأَلْفَاظُ الْمُسْتَحَقَّةُ فَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهَا، وَأَمَّا الْمَكَانُ فَهُوَ أَنْ يُلَاعِنَ فِي أَشْرَفِ الْأَمَاكِنِ، إِنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَبَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَإِنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَعِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَفِي سَائِرِ الْبِلَادِ فَفِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَالزَّمَانِ هُوَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَأَمَّا الْجَمْعُ فَأَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ، وَالتَّغْلِيظُ بِالْجَمْعِ مُسْتَحَبٌّ، حَتَّى لَوْ لَاعَنَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا وَحْدَهُ [جَازَ] (١) ، وَهَلِ التَّغْلِيظُ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ فِيهِ قَوْلَانِ.

{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (١٠) }

قَوْلُهُ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} جَوَابُ لَوْلَا مَحْذُوفٌ، يَعْنِي لَعَاجَلَكُمْ بِالْعُقُوبَةِ، وَلَكِنَّهُ سَتَرَ عَلَيْكُمْ وَدَفَعَ عَنْكُمُ الْحَدَّ بِاللِّعَانِ، وَإِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ يَعُودُ عَلَى مَنْ يَرْجِعُ عَنِ الْمَعَاصِي بِالرَّحْمَةِ، حَكِيمٌ فِيمَا فَرَضَ مِنَ الْحُدُودِ.


(١) ساقط من "أ".

<<  <  ج: ص:  >  >>