للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{كَمِشْكَاةٍ} وَهِيَ الْكُوَّةُ الَّتِي لَا مَنْفَذَ لَهَا فَإِنْ كَانَ لَهَا مَنْفَذٌ فَهِيَ كُوَّةٌ. وَقِيلَ: الْمِشْكَاةُ حَبَشِيَّةٌ. قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ الْقِنْدِيلُ (١) {فِيهَا مِصْبَاحٌ} أَيْ: سِرَاجٌ، أَصْلُهُ مِنَ الضَّوْءِ، وَمِنْهُ الصُّبْحُ، وَمَعْنَاهُ: كَمِصْبَاحٍ فِي مِشْكَاةٍ، {الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} يَعْنِي الْقِنْدِيلَ، قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّمَا ذَكَرَ الزُّجَاجَةَ لِأَنَّ النُّورَ وَضَوْءَ النَّارِ فِيهَا أَبْيَنُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَضَوْءُهُ يَزِيدُ فِي الزُّجَاجِ، ثُمَّ وَصَفَ الزُّجَاجَةَ، فَقَالَ: {الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} قرأ أبو عمر وَالْكِسَائِيُّ: "دِرِّيءٍ" بِكَسْرِ الدَّالِ وَالْهَمْزَةِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ بِضَمِّ الدَّالِ وَالْهَمْزَةِ، فَمَنْ كَسَرَ الدَّالَ فَهُوَ فَعِيلٌ مِنَ الدَّرْءِ، وَهُوَ الدَّفْعُ، لِأَنَّ الْكَوْكَبَ يَدْفَعُ الشَّيَاطِينَ مِنَ السَّمَاءِ، وَشَبَّهَهُ بِحَالَةِ الدَّفْعِ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَضْوَأَ وَأَنْوَرَ وَيُقَالُ: هُوَ مِنْ دَرَأَ الْكَوْكَبَ إِذَا انْدَفَعَ مُنْقَبِضًا فَيَتَضَاعَفُ ضَوْءُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَقِيلَ: "دُرِّيٍّ" أَيْ: طَالِعٍ، يُقَالُ: دَرَأَ النَّجْمُ إِذَا طَلَعَ وَارْتَفَعَ. وَيُقَالُ: دَرَأَ عَلَيْنَا فُلَانٌ أَيْ طَلَعَ وَظَهَرَ، فَأَمَّا رَفْعُ الدَّالِ مَعَ الْهَمْزَةِ كَمَا قَرَأَ حَمْزَةُ، قَالَ أَكْثَرُ النُّحَاةِ: هُوَ لَحْنٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فُعِّيلٌ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ.

قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَأَنَا أَرَى لَهَا وَجْهًا وَذَلِكَ أَنَّهَا دُرُّوءٌ عَلَى وَزْنِ فُعُّولٍ مِنْ دَرَاتُ، مِثْلُ سُبُّوحٍ وَقُدُّوسٍ، وَقَدِ اسْتَثْقَلُوا كَثْرَةَ الضَّمَّاتِ فَرَدُّوا بَعْضَهَا إِلَى الْكَسْرِ، كَمَا قَالُوا: عِتِيًّا وَهُوَ فُعُولٌ مِنْ عَتَوْتُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ {دُرِّيُّ} بِضَمِّ الدَّالِّ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ بِلَا هَمْزٍ، أَيْ: شَدِيدُ الْإِنَارَةِ، نُسِبَ إِلَى الدُّرِ فِي صَفَائِهِ وَحُسْنِهِ، وَإِنْ كَانَ الْكَوْكَبُ أَكْثَرَ ضَوْءًا مِنَ الدُّرِّ لَكِنَّهُ يَفْضُلُ الْكَوَاكِبَ بِضِيَائِهِ، كَمَا يَفْضُلُ الدُّرُّ، سَائِرَ الْحَبِّ. وَقِيلَ: الْكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ وَاحِدٌ مِنَ الْكَوَاكِبِ الْخَمْسَةِ الْعِظَامِ، وَهِيَ زُحَلُ وَالْمِرِّيخُ، وَالْمُشْتَرِي، وَالزُّهَرَةُ، وَعُطَارِدُ. وَقِيلَ: شَبَّهَهُ بِالْكَوْكَبِ، وَلَمْ يُشَبِّهْهُ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، لِأَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يَلْحَقُهُمَا الْخُسُوفُ وَالْكَوَاكِبَ لَا يَلْحَقُهَا الْخُسُوفُ.

{يُوقَدُ} قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَيَعْقُوبُ: "تَوَقَّدَ" بِالتَّاءِ وَفَتِحِهَا وَفَتْحِ الْوَاوِ وَالدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ عَلَى الْمَاضِي، يَعْنِي الْمِصْبَاحَ، أَيْ: اتَّقَدَ، يُقَالُ تَوَقَّدَتِ النَّارُ أَيْ: اتَّقَدَتْ. وَقَرَأَ


(١) قال الطبري: (١٨ / ١٤٠) : "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: ذلك مثل ضربه الله للقرآن في قلب أهل الإيمان به، فقال: مثل نور الله الذي أنار به لعباده سبيل الرشاد الذي أنزله إليهم فآمنوا به وصدَّقوا بما فيه في قلوب المؤمنين، مثل مشكاةٍ، وهي عمود القنديل الذي فيه الفتيلة، وذلك هو نظير الكوة التي في الحيطان التي لا منفذ لها، وذلك مثل القرآن، يقول: القرآن الذي في قلب المؤمن الذي أنار الله قلبه في صدره، ثم مثل الصدر في خلوصه من الكفر بالله والشك فيه، واستنارته بنور القرآن، واستضاءته بآيات ربه المبينات، ومواعظه فيها - بالكوكب الدري فقال: الزجاجة، ذلك صدر المؤمن الذي فيه قلبه كأنها كوكب دري".

<<  <  ج: ص:  >  >>