للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقِيلَ: يَعْنِي الَّذِينَ كَانُوا مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى. {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ} دَلَالَاتِهِ. وَقِيلَ: أَحْكَامُهُ، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ} بِأُمُورِ خَلْقِهِ، {حَكِيمٌ} بِمَا دَبَّرَ لَهُمْ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: يَسْتَأْذِنُ الرَّجُلُ عَلَى أُمِّهِ، فإنما أنزلت ٤٣/ب هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ (١) . وَسُئِلَ حُذَيْفَةُ: أَيَسْتَأْذِنُ الرَّجُلُ عَلَى وَالِدَتِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنْ لَمْ يَفْعَلْ رَأَى مِنْهَا مَا يَكْرَهُ (٢) .

{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٦٠) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦١) }

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} يَعْنِي اللَّاتِي قَعَدْنَ عَنِ الْوَلَدِ وَالْحَيْضِ مِنَ الْكِبَرِ، لَا يَلِدْنَ وَلَا يَحِضْنَ، وَاحِدَتُهَا "قَاعِدٌ" بِلَا هَاءٍ. وَقِيلَ: قَعَدْنَ عَنِ الْأَزْوَاجِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: {اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا} أَيْ: لَا يُرِدْنَ الرِّجَالَ لِكِبَرِهِنَّ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: سُمِّيَتِ الْمَرْأَةُ قَاعِدًا إِذَا كَبُرَتْ، لِأَنَّهَا تُكْثِرُ الْقُعُودَ (٣) . وَقَالَ رَبِيعَةُ الرَّأْيُ: هُنَّ الْعُجَّزُ، اللَّائِي إِذَا رَآهُنَّ الرِّجَالُ اسْتَقْذَرُوهُنَّ، فَأَمَّا مَنْ كَانَتْ فِيهَا بَقِيَّةٌ مِنْ جِمَالٍ، وَهِيَ مَحَلُّ الشَّهْوَةِ، فَلَا تَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} عِنْدَ الرِّجَالِ، يَعْنِي: يَضَعْنَ بَعْضَ ثِيَابِهِنَّ، وَهِيَ الْجِلْبَابُ وَالرِّدَاءُ الَّذِي فَوْقَ الثِّيَابِ، وَالْقِنَاعِ الَّذِي فَوْقَ الْخِمَارِ، فَأَمَّا الْخِمَارُ فَلَا يَجُوزُ وَضْعُهُ، وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: "أَنْ يَضَعْنَ مِنْ ثِيَابِهِنَّ"، {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} أَيْ: مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرِدْنَ بِوَضْعِ الْجِلْبَابِ، وَالرِّدَاءُ إِظْهَارُ زِينَتِهِنَّ، وَالتَّبَرُّجُ هُوَ أَنْ تُظْهِرَ الْمَرْأَةُ مِنْ مَحَاسِنِهَا مَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَتَنَزَّهَ عَنْهُ. {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ} فَلَا يُلْقِينَ الْجِلْبَابَ وَالرِّدَاءَ، {خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَىالْمَرِيضِ حَرَجٌ} الْآيَةَ، اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلَهُ: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ" (النِّسَاءِ-٢٩) ، تَحَرَّجَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ مُؤَاكَلَةِ


(١) الطبري: ١٨ / ١٦٥.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف: ٤ / ٣٩٨ وفيه آثار أخرى.
(٣) قال ابن قتيبة في "غريب القرآن" (٢ / ٤٣) من "القرطين" لابن مطرف الكناني: ".. ولا أراها تسمت قاعدا إلا بالقعود، لأنها إذا أسنت عجزت عن التصرف وكثرة الحركة، وأطالت القعود، فقيل لها: "قاعد" بلا هاء، ليدل بحذف الهاء على أنه قعود كبر، كما قالوا: امرأة حامل، بلا هاء، ليدل بحذف الهاء على أنه حمل حبل، وقالوا في غير ذلك: قاعدة في بيتها، وحاملة على ظهرها".

<<  <  ج: ص:  >  >>