للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ شَقِيقٌ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ فَاتَتْنِي الصَّلَاةُ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ: أَدْرِكْ مَا فَاتَكَ مِنْ لَيْلَتِكَ فِي نَهَارِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَكَّرَ (١) . [قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي جَعْلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُخَالِفًا لِصَاحِبِهِ فَجَعَلَ هَذَا أَسْوَدُ وَهَذَا أَبْيَضُ (٢) . وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُ] (٣) يَعْنِي يَخْلُفُ أَحَدَهُمَا صَاحِبَهُ إِذَا ذَهَبَ أَحَدُهُمَا جَاءَ الْآخَرُ فَهُمَا يَتَعَاقَبَانِ فِي الضِّيَاءِ وَالظُّلْمَةِ وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ (٤) . {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ} قَرَأَ حَمْزَةُ بِتَخْفِيفِ الذَّالِ وَالْكَافِ وَضَمِّهَا مِنَ الذِّكْرِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِتَشْدِيدِهِمَا أَيْ: يَتَذَكَّرَ وَيَتَّعِظَ {أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ: شُكْرَ نِعْمَةِ رَبِّهِ عَلَيْهِ فِيهِمَا.

{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (٦٣) }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} أَيْ: أَفَاضِلُ الْعِبَادِ. وَقِيلَ: هَذِهِ الْإِضَافَةُ لِلتَّخْصِيصِ وَالتَّفْضِيلِ، وَإِلَّا فَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِبَادُ اللَّهِ. {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} أَيْ: بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ مُتَوَاضِعِينَ غَيْرَ أَشِرِينَ وَلَا مَرِحِينَ، وَلَا مُتَكَبِّرِينَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: عُلَمَاءٌ وَحُكَمَاءٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ: أَصْحَابُ وَقَارٍ وَعِفَّةٍ لَا يُسَفِّهُونَ، وَإِنْ سُفِّهَ عَلَيْهِمْ حَلُمُوا، وَ"الْهَوْنُ" فِي اللُّغَةِ: والرفق وَاللِّينُ (٥) . {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ} يَعْنِي السُّفَهَاءُ بِمَا يَكْرَهُونَ، {قَالُوا سَلَامًا} قَالَ مُجَاهِدٌ: سَدَادًا مِنَ الْقَوْلِ (٦) . وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: قُولًا يَسْلَمُونَ فِيهِ مِنَ الْإِثْمِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ جَهَلَ عَلَيْهِمْ جَاهِلٌ حَلُمُوا وَلَمْ يَجْهَلُوا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ السَّلَامُ الْمَعْرُوفُ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ: مَعْنَاهُ سَلَّمُوا عَلَيْهِمْ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: "وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ" (الْقَصَصِ-٥٥) . قَالَ الْكَلْبِيُّ وَأَبُو الْعَالِيَةِ: هَذَا قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْقِتَالِ، ثُمَّ نَسَخَتْهَا آيَةُ الْقِتَالِ (٧) . وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ قَالَ: هَذَا وَصْفُ نَهَارِهِمْ، ثُمَّ قَرَأَ {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} قَالَ: هَذَا وَصْفُ لَيْلِهِمْ.


(١) أخرجه الطبري: ١٩ / ٣٠، والجصاص في أحكام القرآن: ٥ / ٢١٢.
(٢) الطبري: ١٩ / ٣١، الجصاص: ٥ / ٢١٢.
(٣) ما بين القوسين ساقط من "أ".
(٤) الطبري: ١٩ / ٣١، الجصاص: ٥ / ٢١٢.
(٥) انظر هذه الأقوال في: الطبري ١٩ / ٣٣-٣٤.
(٦) ورجحه الطبري: ١٩ / ٣٤، والأقوال الآتية لا تنافي ذلك.
(٧) ورجحه الطبري: ٣ / ٣٢-٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>