للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٣) قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (٢٥) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠) }

{قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} يَقُولُ: أَيُّ شَيْءٍ رَبُّ الْعَالَمِينَ الَّذِي تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُهُ إِلَيَّ؟ يَسْتَوْصِفُهُ إِلَهَهُ الَّذِي أَرْسَلَهُ إِلَيْهِ بِـ "مَا"، وَهُوَ سُؤَالٌ عَنْ جِنْسِ الشَّيْءِ، وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الْجِنْسِيَّةِ، فَأَجَابَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِذِكْرِ أَفْعَالِهِ الَّتِي يَعْجِزُ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهَا. {قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} إِنَّهُ خَالِقُهُمَا. قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: أَيْ كَمَا تُوقِنُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تُعَايِنُونَهَا فَأَيْقِنُوا أَنَّ إِلَهَ الْخَلْقِ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمَّا قَالَ مُوسَى ذَلِكَ تَحَيَّرَ فِرْعَوْنُ فِي جَوَابِ مُوسَى. {قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ} مِنْ أَشْرَافِ قَوْمِهِ. قَالَ ابْنُ عباس: كانوا خمس مائة رَجُلٍ عَلَيْهِمُ الْأَسْوِرَةُ، قَالَ لَهُمْ فِرْعَوْنُ اسْتِبْعَادًا لِقَوْلِ مُوسَى: {أَلَا تَسْتَمِعُونَ} وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ آلِهَتَهُمْ مُلُوكُهُمْ. فَزَادَهُمْ مُوسَى فِي الْبَيَانِ. {قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} {قَالَ} يَعْنِي: فِرْعَوْنَ: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ لَا نَعْقِلُهُ وَلَا نَعْرِفُ صِحَّتَهُ، وَكَانَ عِنْدَهُمْ أَنَّ مَنْ لَا يَعْتَقِدُ مَا يَعْتَقِدُونَ لَيْسَ بِعَاقِلٍ، فَزَادَ مُوسَى فِي الْبَيَانِ: {قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} {قَالَ} فِرْعَوْنُ -حِينَ لَزِمَتْهُ الْحُجَّةُ وَانْقَطَعَ عَنِ الْجَوَابِ-تَكَبُّرًا عَنِ الْحَقِّ: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} مِنَ الْمَحْبُوسِينَ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ سِجْنُهُ أَشَدَّ مِنَ الْقَتْلِ، لِأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الرَّجُلَ فَيَطْرَحُهُ فِي مَكَانٍ وَحْدَهُ فَرْدًا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبَصِرُ فِيهِ شَيْئًا، يَهْوِي بِهِ فِي الْأَرْضِ. {قَالَ} لَهُ مُوسَى حِينَ تَوَعَّدَهُ بِالسِّجْنِ: {أَوَلَوْ جِئْتُكَ} أَيْ: وَإِنْ جِئْتُكَ، {بِشَيْءٍ مُبِينٍ} بِآيَةٍ مُبِينَةٍ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَتَفْعَلُ ذَلِكَ وَإِنْ أَتَيْتُكَ بِحُجَّةٍ بَيِّنَةٍ؟ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مُوسَى لِأَنَّ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ السُّكُونَ إِلَى الْإِنْصَافِ وَالْإِجَابَةَ إِلَى الْحَقِّ بَعْدَ الْبَيَانِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>