للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً} ٥٨/أوَهِيَ مُعْظَمُ الْمَاءِ، {وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا} لِتَخُوضَهُ إِلَى سُلَيْمَانَ، فَنَظَرَ سُلَيْمَانُ فَإِذَا هِيَ أَحْسَنُ النَّاسِ قَدَمًا وَسَاقًا إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ شَعْرَاءَ السَّاقَيْنِ، فَلَمَّا رَأَى سُلَيْمَانُ ذَلِكَ صَرَفَ بَصَرَهُ عَنْهُ وَنَادَاهَا (١) {قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ} مُمَلَّسٌ مُسْتَوٍ، {مِنْ قَوَارِيرَ} وَلَيْسَ بِمَاءٍ، ثُمَّ إِنَّ سُلَيْمَانَ دَعَاهَا إِلَى الْإِسْلَامِ، وَكَانَتْ قَدْ رَأَتْ حَالَ الْعَرْشِ وَالصَّرْحَ فَأَجَابَتْ، وَ {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} بِالْكَفْرِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لَمَّا رَأَتِ السَّرِيرَ وَالصَّرْحَ عَلِمَتْ أَنَّ مُلْكَ سُلَيْمَانَ مِنَ اللَّهِ فَقَالَتْ: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي بِعِبَادَةِ غَيْرِكَ، {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أَيْ: أَخْلَصْتُ لَهُ التَّوْحِيدَ. وَقِيلَ: إِنَّهَا لَمَّا بَلَغَتِ الصَّرْحَ وَظَنَّتْهُ لُجَّةً، قَالَتْ فِي نَفْسِهَا: إِنَّ سُلَيْمَانَ يُرِيدُ أَنْ يُغْرِقَنِي، وَكَانَ الْقَتْلُ عَلَيَّ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا، فَقَوْلُهَا: "ظَلَمْتُ نَفْسِي" تَعْنِي بِذَلِكَ الظَّنَّ.

وَاخْتَلَفُوا فِي أَمْرِهَا بَعْدَ إِسْلَامِهَا، قَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: سَأَلَ رَجُلٌ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ: هَلْ تَزَوَّجَهَا سُلَيْمَانُ؟ قَالَ: انْتَهَى أَمْرُهَا إِلَى قَوْلِهَا: أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَعْنِي: لَا عِلْمَ لَنَا وَرَاءَ ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَزَوَّجَهَا، وَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا كَرِهَ مَا رَأَى مِنْ كَثْرَةِ شَعْرِ سَاقَيْهَا، فَسَأَلَ الْإِنْسَ: مَا يُذْهِبُ هَذَا؟ قَالُوا: الْمُوسَى، فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: لَمْ تَمَسَّنِي حَدِيدَةٌ قَطُّ، فِكَرِهَ سُلَيْمَانُ الْمُوسَى، وَقَالَ: إِنَّهَا تَقْطَعُ سَاقَيْهَا، فَسَأَلَ الْجِنَّ فَقَالُوا: لَا نَدْرِي، ثُمَّ سَأَلَ الشَّيَاطِينَ فَقَالُوا: إِنَّا نَحْتَالُ لَكَ حِيلَةً حَتَّى تَكُونَ كَالْفِضَّةِ الْبَيْضَاءِ، فَاتَّخَذُوا النُّوْرَةَ وَالْحَمَّامَ، فَكَانَتِ النُّوْرَةُ وَالْحَمَّامَاتُ مِنْ يَوْمَئِذٍ (٢) فَلَمَّا تَزَوَّجَهَا سُلَيْمَانُ أَحَبَّهَا حُبًّا شَدِيدًا، وَأَقَرَّهَا عَلَى مُلْكِهَا، وَأَمَرَ الْجِنَّ فَابْتَنَوْا لَهَا بِأَرْضِ الْيَمَنِ ثَلَاثَةَ حُصُونٍ لَمْ يَرَ النَّاسُ مِثْلَهَا ارْتِفَاعًا وَحُسْنًا، وَهِيَ: سَلْحِينُ، وَبَيْنُونُ، وَعَمْدَانُ. ثُمَّ كَانَ سُلَيْمَانُ يَزُورُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً بَعْدَ أَنْ رَدَّهَا إِلَى مُلْكِهَا وَيُقِيمُ عِنْدَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، يَبْتَكِرُ مِنَ الشَّامِ إِلَى الْيَمَنِ، وَمِنَ الْيَمَنِ إِلَى الشَّامِ، وَوَلَدَتْ لَهُ فِيمَا ذُكِرَ وَرُوِيَ عَنْ وَهْبٍ قَالَ: زَعَمُوا أَنَّ بِلْقِيسَ لَمَّا أَسْلَمَتْ قَالَ لَهَا سُلَيْمَانُ: اخْتَارِي رَجُلًا مِنْ قَوْمِكِ أُزَوِّجُكِهِ، قَالَتْ: وَمِثْلِي يَا نَبِيَّ اللَّهِ تَنْكِحُ الرِّجَالَ وَقَدْ كَانَ لِي فِي قَوْمِي مِنَ الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ مَا كَانَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا ذَلِكَ، وَلَا يَنْبَغِي لَكِ أَنْ تُحَرِّمِي مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكِ، فَقَالَتْ: زَوِّجْنِي إِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ ذَا تُبَّعٍ مَلِكَ هَمَذَانَ فَزَوَّجُهُ إِيَّاهَا، ثُمَّ رَدَّهَا إِلَى الْيَمَنِ، وَسَلَّطَ زَوْجَهَا ذَا تُبَّعٍ عَلَى الْيَمَنِ، وَدَعَا زَوْبَعَةَ أَمِيرَ جِنِّ الْيَمَنِ، فَقَالَ: اعْمَلْ لِذِي تُبَّعٍ مَا


(١) ساقط من "أ".
(٢) هذا وأمثاله من مفتريات يهود الذين يصورون الأنبياء وكأنهم لا هم لهم إلا اللذة والاحتيال لإزالة شعر الساقين إظهارا للمحاسن وإرواء للشهوة. وقد روى ابن أبي شيبة أثرا في ذلك، قال عنه ابن كثير: (٣ / ٣٦٧) "هو منكر غريب جدا، ولعله من أوهام عطاء بن السائب على ابن عباس، والله أعلم، والأقرب في مثل هذه السياقات أنها متلقاة عن أهل الكتاب مما وجد في صحفهم..".

<<  <  ج: ص:  >  >>