للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَنْصَرِفُ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى بَلَدِهِ (١) ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ مِنَ الْغَارِ مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ سَارَ فِي غَيْرِ الطَّرِيقِ مَخَافَةَ الطَّلَبِ، فَلَمَّا أَمِنَ وَرَجَعَ إِلَى الطَّرِيقِ نَزَلَ الْجُحْفَةَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَعَرَفَ الطَّرِيقَ إِلَى مَكَّةَ اشْتَاقَ إِلَيْهَا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ: أَتَشْتَاقُ إِلَى بَلَدِكَ وَمَوْلِدِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} (٢) ، وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بِالْجُحْفَةِ لَيْسَتْ بِمَكِّيَّةٍ وَلَا مَدَنِيَّةٍ (٣) .

وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ" إِلَى الْمَوْتِ (٤) . وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَعِكْرِمَةُ: إِلَى الْقِيَامَةِ (٥) . وَقِيلَ: إِلَى الْجَنَّةِ (٦) . {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى} [أَيْ: يَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى] (٧) ، وَهَذَا جَوَابٌ لِكُفَّارِ مَكَّةَ لَمَّا قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكَ لَفِي ضَلَالٍ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ لَهُمْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى، يَعْنِي نَفْسَهُ، {وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ، وَمَعْنَاهُ: أَعْلَمُ بِالْفَرِيقَيْنِ.

{وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (٨٦) }

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ} أَيْ: يُوحَى إِلَيْكَ الْقُرْآنُ، {إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} قَالَ الْفَرَّاءُ: هَذَا مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ، مَعْنَاهُ: لَكِنَّ رَبَّكَ رَحِمَكَ فَأَعْطَاكَ الْقُرْآنَ، {فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ} أَيْ: مُعِينًا لَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ. قَالَ مُقَاتِلٌ: وَذَلِكَ حِينَ دُعِيَ إِلَى دِينِ آبَائِهِ فَذَكَرَ اللَّهُ نِعَمَهُ وَنَهَاهُ عَنْ مُظَاهَرَتِهِمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ.


(١) (إلى بلده) ساقط من "ب". وعبارة ابن قتيبة في "المشكل" ص (٤٢٥) : ... "لأنه يتصرف في البلاد، ويضرب في الأرض ثم يعود إلى بلده ... " وهي أوضح وأصح مما نقله المصنف رحمه الله.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم.
(٣) قال ابن كثير: (٣ / ٤٠٤) "وهذا من كلام الضحاك يقتضي أن هذه الآية مدنية وإن كان مجموع السورة مكيا، والله أعلم".
(٤) أخرجه الطبري: ٢٠ / ١٢٥، وابن أبي حاتم. قال الحافظ في الفتح: (٨ / ٥١٠) : وإسناده لا بأس به.
(٥) أخرج ابن أبي حاتم من طريق مجاهد قال: "يحييك يوم القيامة" وأما الحسن والزهري فقالا: هو يوم القيامة، وروى ابن أبي يعلى من طريق أبي جعفر محمد بن علي قال: سألت أبا سعيد عن هذه الآية؟ فقال: معاده آخرته، وفي إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف. انظر: فتح الباري: ٨ / ٥١٠.
(٦) رواه الطبري: ٢٠ / ١٢٤ وإسناده ضعيف كما في الموضع السابق من الفتح.
(٧) ما بين القوسين ساقط من "ب".

<<  <  ج: ص:  >  >>