للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَرَادَ بِالنَّاسِ الَّذِينَ آمَنُوا بِمَكَّةَ: سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَغَيْرَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: نَزَلَتْ فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، كَانَ يُعَذَّبُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (١) . وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي مِهْجَعِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى عُمَرَ، كَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ مِهْجَعٌ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ"، فَجَزِعَ أَبَوَاهُ وَامْرَأَتُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ (٢) . وَقِيلَ: "وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ" بِالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُمْ فِي الِابْتِدَاءِ بِمُجَرَّدِ الْإِيمَانِ، ثُمَّ فَرَضَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةَ، وَالزَّكَاةَ، وَسَائِرَ الشَّرَائِعِ، فَشَقَّ عَلَى بَعْضِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، ثُمَّ عَزَّاهُمْ فَقَالَ: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}

{وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (٣) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (٤) }

{وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يَعْنِي الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَمِنْهُمْ مَنْ نُشِرَ بِالْمِنْشَارِ وَمِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ، وَابْتُلِيَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِفِرْعَوْنَ فَكَانَ يَسُومُهُمْ سوء العذاب ٦٦/ب، {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا} فِي قَوْلِهِمْ آمَنَّا، {وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِهِمْ قَبْلَ الِاخْتِبَارِ. وَمَعْنَى الْآيَةِ: فَلَيُظْهِرَنَّ اللَّهُ الصَّادِقِينَ مِنَ الْكَاذِبِينَ حَتَّى يُوجِدَ مَعْلُومَهُ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: فَلَيَرَيَنَّ اللَّهُ. وَقِيلَ: لَيَمِيزَنَّ اللَّهُ كَقَوْلِهِ: "لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ" (الْأَنْفَالِ-٣٨) .

{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} يَعْنِي الشِّرْكَ، {أَنْ يَسْبِقُونَا} يُعْجِزُونَا وَيَفُوتُونَا، فَلَا نَقْدِرُ عَلَى الِانْتِقَامِ مِنْهُمْ، {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} بِئْسَ مَا حَكَمُوا حِينَ ظَنُّوا ذَلِكَ.


(١) أخرجه ابن المنذر عن ابن جريج عن ابن عمير وغيره. وأخرجه أيضا ابن سعد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن عساكر. انظر: الدر المنثور: ٦ / ٤٥٠، زاد المسير: ٦ / ٢٥٤.
(٢) ذكره الواحدي في الأسباب ص (٣٩٣) ، وقال الحافظ ابن حجر في "الكافي الشاف" ص (١٢٧) : "ذكره الثعلبي عن مقاتل.." ثم قال: "وسنده إلى مقاتل في أول كتابه. وفي "الدلائل" لابن أبي شيبة من طريق القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود قال: "أول من استشهد يوم بدر مهجع مولى عمر".

<<  <  ج: ص:  >  >>