للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَسْتَظِلَّ] (١) ، فَأَصْبَحَتْ قَدْ جَهَدَتْ، ثُمَّ مَكَثَتْ يَوْمًا آخَرَ لَمْ تَأْكُلْ وَلَمْ تَشْرَبْ، فَجَاءَ سَعْدٌ إِلَيْهَا وَقَالَ: يَا أُمَّاهُ لَوْ كَانَتْ لَكِ مِائَةُ نَفْسٍ فَخَرَجَتْ نَفْسًا نَفْسًا مَا تَرَكْتُ دِينِي فَكُلِي، وَإِنْ شِئْتِ فَلَا تَأْكُلِي، فَلَمَّا أَيِسَتْ مِنْهُ أَكَلَتْ وَشَرِبَتْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَأَمَرَهُ بِالْبِرِّ بِوَالِدَيْهِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا وَأَنْ لَا يُطِيعُهُمَا فِي الشِّرْكِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} (٢) . وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ" (٣) . ثُمَّ أَوْعَدَ بِالْمَصِيرِ إِلَيْهِ فَقَالَ: {إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أُخْبِرُكُمْ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ وَسَيِّئِهَا فَأُجَازِيكُمْ عَلَيْهَا.

{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (٩) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (١٠) }

{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ} فِي زُمْرَةِ الصَّالِحِينَ وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْأَوْلِيَاءُ، وَقِيلَ: فِي مَدْخَلِ الصَّالِحِينَ، وَهُوَ الْجَنَّةُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ} أَصَابَهُ بَلَاءٌ مِنَ النَّاسِ افْتَتَنَ، {جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} أَيْ: جَعَلَ أَذَى النَّاسِ وَعَذَابَهُمْ كَعَذَابِ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ، أَيْ: جَزِعَ مِنْ عَذَابِ النَّاسِ وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَأَطَاعَ النَّاسَ كَمَا يُطِيعُ اللَّهَ مَنْ يَخَافُ عَذَابَهُ، هَذَا قَوْلُ السُّدِّيِّ وَابْنِ زَيْدٍ، قَالَا هُوَ الْمُنَافِقُ إِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ رَجَعَ عَنِ الدِّينِ وَكَفَرَ. {وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ} أَيْ: فَتْحٌ وَدَوْلَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، {لَيَقُولُنَّ} يَعْنِي: هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ: {إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} عَلَى عَدُوِّكُمْ وَكُنَّا مُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا أُكْرِهْنَا حَتَّى قُلْنَا مَا قُلْنَا، فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ وَقَالَ:


(١) ساقط من "ب".
(٢) ذكره الواحدي ص (٣٩٤) والثعلبي، والواقدي هكذا بغير سند، والقصة في صحيح مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص بغير هذا السياق، في كتاب فضائل الصحابة، باب في فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، برقم (١٧٤٨) : ٤ / ١٨٧٧. وانظر: الصحيح المسند من أسباب النزول للوادعي ص (١١٣) .
(٣) أخرجه المصنف في شرح السنة: ١٠ / ٤٤ من رواية النواس بن سمعان، والطبراني في الكبير، وأخرجه الطيالسي ص (١١٥) والإمام أحمد: ٥ / ٦٦ وصححه الحاكم: ٣ / ٤٤٣ من رواية عمران بن حصين، وأخرجه الإمام أحمد من رواية ابن مسعود أيضا.

<<  <  ج: ص:  >  >>