للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُفَارِقَ صَاحِبَتِي"، قَالَ: مَا لَكَ أَرَابَكَ مِنْهَا شَيْءٌ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِنْهَا إِلَّا خَيْرًا، وَلَكِنَّهَا تَتَعَظَّمُ عَلَيَّ لِشَرَفِهَا وَتُؤْذِينِي بِلِسَانِهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ"، يَعْنِي: زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، {وَاتَّقِ اللَّهَ} فِي أَمْرِهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا زَيْدٌ (١) فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:

{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} بِالْإِسْلَامِ، {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} بِالْإِعْتَاقِ، وَهُوَ زَيْدُ بن حارثة ٨٢/ب {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ} فِيهَا وَلَا تُفَارِقْهَا، {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} أَيْ: تُسِرُّ فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُظْهِرُهُ، أَيْ: كَانَ فِي قَلْبِهِ لَوْ فَارَقَهَا لَتَزَوَّجَهَا.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حُبُّهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: وَدَّ أَنَّهُ طَلَّقَهَا.

{وَتَخْشَى النَّاسَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ: تَسْتَحْيِيهِمْ.

وَقِيلَ: تَخَافُ لَائِمَةَ النَّاسِ أَنْ يَقُولُوا: أَمَرَ رَجُلًا بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ثُمَّ نَكَحَهَا (٢) .

{وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} قَالَ عُمَرُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَائِشَةُ: مَا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةٌ هِيَ أَشَدُّ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ (٣) .

وَرُوِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ كَتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ: "وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ" (٤) .

وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ قَالَ: سَأَلَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ زَيْنُ الْعَابِدِينَ مَا يَقُولُ الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} ؟ قُلْتُ: يَقُولُ لَمَّا جَاءَ زَيْدٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُطَلِّقَ زَيْنَبَ فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: لَيْسَ كَذَلِكَ، كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَعْلَمَهُ أَنَّهَا سَتَكُونُ مِنْ أَزْوَاجِهِ وَأَنَّ زَيْدًا سَيُطَلِّقُهَا، فَلَمَّا جَاءَ زَيْدٌ وَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُطْلِّقَهَا قَالَ لَهُ: أَمْسِكَ عَلَيْكَ زَوْجَكَ، فَعَاتَبَهُ اللَّهُ وَقَالَ: لِمَ قُلْتَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ، وَقَدْ أَعْلَمْتُكَ أَنَّهَا سَتَكُونُ مِنْ أَزْوَاجِكَ؟ (٥)


(١) انظر: البحر المحيط: ٧ / ٢٣٤.
(٢) انظر: زاد المسير: ٦ / ٣٨٧.
(٣) انظر: الطبري: ٢٢ / ١٣، وراجع التعليق الآتي.
(٤) أخرجه الترمذي في تفسير سورة الأحزاب: ٩ / ٧١-٧٢ وقال: (هذا حديث حسن صحيح) ، والطبري: ٢٢ / ١٣، وانظر: البخاري في التوحيد، باب: وكان عرشه على الماء: ١٣ / ٤٠٤ لكن عن أنس، مسلم في الإيمان، باب: معنى قول الله عز وجل: "لقد رآه نزلة أخرى" وهل رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربه ليلة الإسراء؟ برقم: (١٧٧) ١ / ١٦٠.
(٥) انظر ابن كثير: في التفسير ٣ / ٤٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>