للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٢) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (١٤٥) }

{إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} يَعْنِي: هَرَبَ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَوَهْبٌ: كَانَ يُونُسُ وَعَدَ قَوْمَهُ الْعَذَابَ، فَلَمَّا تَأَخَّرَ عَنْهُمُ الْعَذَابُ خَرَجَ كَالْمَشُورِ (١) مِنْهُمْ، فَقَصَدَ الْبَحْرَ فَرَكِبَ السَّفِينَةَ، فَاحْتَبَسَتِ السَّفِينَةُ فَقَالَ الْمَلَّاحُونَ: هَاهُنَا عَبْدٌ آبِقٌ مِنْ سَيِّدِهِ، فَاقْتَرَعُوا فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى يُونُسَ، فَاقْتَرَعُوا ثَلَاثًا فَوَقَعَتْ عَلَى يُونُسَ، فَقَالَ يُونُسُ: أَنَا الْآبِقُ، وَزَجَّ نَفْسَهُ فِي الْمَاءِ.

وَرُوِيَ فِي الْقِصَّةِ: أَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ إِلَى الْبَحْرِ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ وَابْنَانِ لَهُ، فَجَاءَ مَرْكَبٌ فَأَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ مَعَهُمْ فَقَدَّمَ امْرَأَتَهُ لِيَرْكَبَ بَعْدَهَا، فَحَالَ الْمَوْجُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْكَبِ وَمَرَّ الْمَرْكَبُ، ثُمَّ جَاءَتْ مَوْجَةٌ أُخْرَى وَأَخَذَتِ ابْنَهُ الْأَكْبَرَ وَجَاءَ ذِئْبٌ فَأَخَذَ الِابْنَ الْأَصْغَرَ، فَبَقِيَ فَرِيدًا، فَجَاءَ مَرْكَبٌ آخَرُ فَرَكِبَهُ فَقَعَدَ نَاحِيَةً مِنَ الْقَوْمِ، فَلَمَّا مَرَّتِ السَّفِينَةُ فِي الْبَحْرِ رَكَدَتْ، فَاقْتَرَعُوا، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْقِصَّةَ فِي سُورَةِ يُونُسَ (٢) .

فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَسَاهَمَ} فَقَارَعَ، وَالْمُسَاهَمَةُ: إِلْقَاءُ السِّهَامِ عَلَى جِهَةِ الْقُرْعَةِ، {فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} الْمَقْرُوعِينَ.

{فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ} ابْتَلَعَهُ، {وَهُوَ مُلِيمٌ} آتٍ بِمَا يُلَامُ عَلَيْهِ.

{فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} مِنَ الذَّاكِرِينَ لِلَّهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ كَثِيرَ الذَّكَرِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِنَ الْمَصَلِّيْنَ. وَقَالَ وَهْبٌ: مِنَ الْعَابِدِينَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا كَانَتْ لَهُ صَلَاةٌ فِي بَطْنِ الْحُوتِ وَلَكِنَّهُ قَدَّمَ عَمَلًا صَالِحًا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: شَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى لَهُ طَاعَتَهُ الْقَدِيمَةَ.

وَقِيلَ: "فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ" فِي بَطْنِ الْحُوتِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَعْنِي قَوْلَهُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" (الْأَنْبِيَاءِ-٨٧) .

{لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} لَصَارَ بَطْنُ الْحُوتِ لَهُ قَبْرًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

{فَنَبَذْنَاهُ} طَرَحْنَاهُ، {بِالْعَرَاءِ} يَعْنِي: عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، قَالَ الْسُّدِّيُّ: بِالسَّاحِلِ، وَالْعَرَاءُ: الْأَرْضُ الْخَالِيَةُ عَنِ الشَّجَرِ وَالنَّبَاتِ {وَهُوَ سَقِيمٌ} عَلِيلٌ كَالْفَرْخِ الْمُمَعَّطِ. وَقِيلَ: كَانَ قَدْ بَلِيَ لَحْمُهُ وَرَقَّ عَظْمُهُ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ قُوَّةٌ.


(١) المشور: الخجل. وفي "أ" كالمتشور.
(٢) انظر فيما سبق: ٤ / ١٥١ - ١٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>