للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ عُثْمَانَ، فَذَكَرَ مَنَاقِبَهُ ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ بِهَا تَلَانِ إِلَى أَصْحَابِكَ، يُرِيدُ: الْآنَ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ كُفَّارُ مَكَّةَ إِذَا قَاتَلُوا فَاضْطُرُّوا فِي الْحَرْبِ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَنَاصَ، أَيْ: اهْرَبُوا وَخُذُوا حِذْرَكُمْ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِمُ الْعَذَابَ بِبَدْرٍ قَالُوا: مَنَاصَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ" (١) [أَيْ لَيْسَ] (٢) حِينَ هَذَا الْقَوْلِ.

{وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٥) }

{وَعَجِبُوا} يَعْنِي: الْكُفَّارَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَوْلِهِ: "بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا" {أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} يَعْنِي: رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يُنْذِرُهُمْ {وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} .

{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَسْلَمَ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى قُرَيْشٍ، وَفَرِحَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ لِلْمَلَأِ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهُمُ الصَّنَادِيدُ وَالْأَشْرَافُ، وَكَانُوا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ رَجُلًا أَكْبَرُهُمْ سِنًّا الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ لَهُمْ: امْشُوا إِلَى أَبِي طَالِبٍ، فَأَتَوْا أَبَا طَالِبٍ، وَقَالُوا لَهُ: أَنْتَ شَيْخُنَا وَكَبِيرُنَا وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ السُّفَهَاءُ، وَإِنَّا قَدْ أَتَيْنَاكَ لِتَقْضِيَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ابْنِ أَخِيكَ، فَأَرْسَلَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهُ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي هَؤُلَاءِ قَوْمُكَ يَسْأَلُونَكَ السَّوَاءَ، فَلَا تَمِلْ كُلَّ الْمَيْلِ عَلَى قَوْمِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَاذَا يَسْأَلُونِي؟ قَالُوا: ارْفُضْ ذِكْرَ آلِهَتِنَا وَنَدَعْكَ وَإِلَهَكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُعْطُونِي كَلِمَةً وَاحِدَةً تَمْلِكُونَ بِهَا الْعَرَبَ وَتَدِينُ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ؟ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: لِلَّهِ أَبُوكَ لَنُعْطِيَكَهَا وَعَشْرًا أَمْثَالَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، [فَنَفَرُوا] (٣) مِنْ ذَلِكَ وَقَامُوا، وَقَالُوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا؟ كَيْفَ يَسَعُ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ؟ (٤)

{إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} أَيْ: عَجِيبٌ، وَالْعَجَبُ وَالْعُجَابُ وَاحِدٌ، كَقَوْلِهِمْ: رَجُلٌ كَرِيمٌ وَكُرَامٌ، وَكَبِيرٌ وَكُبَارٌ، وَطَوِيلٌ وَطُوَالٌ، وَعَرِيضٌ وَعُرَاضٌ.


(١) انظر البحر المحيط: ٧ / ٣٨٤.
(٢) زيادة من "ب".
(٣) في "ب" فتفرقوا.
(٤) قال ابن حجر في الكافي الشاف ص (١٤١) : "ذكره الثعلبي بغير سند". ورواه الترمذي: ٩ / ٩٩-١٠١ وقال: (هذا حديث حسن صحيح) والنسائي في التفسير: ٢ / ٢١٦- ٢١٧، وابن حبان برقم (١٧٥٧) ص (٤٣٥) من موارد الظمآن، والإمام أحمد: ١ / ٢٢٧، وإسحاق، وأبو يعلى، والطبري: ٢٣ / ١٢٥، وابن أبي حاتم وغيرهم من طريق يحيى بن عمارة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: قال: مرض أبو طالب فجاءته قريش وجاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -الحديث- نحوه" وليس فيه أوله.
وأخرجه أيضًا: البيهقي في السنن ٩ / ١٨٨، وصححه الحاكم: ٢ / ٤٣٢، والواحدي في أسباب النزول ص (٤٢٤) .
وانظر: الدر المنثور: ٧ / ١٤٢ - ١٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>