للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ: هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا" (١) .

{وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي كَثِيرًا بِغَيْرِ مِقْدَارٍ، لِأَنَّ كُلَّ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ الْحِسَابُ فَهُوَ قَلِيلٌ، يُرِيدُ: يُوَسِّعُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَيَبْسُطُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَعْنِي مِنْ غَيْرِ تَبِعَةٍ يَرْزُقُهُ فِي الدُّنْيَا وَلَا يُحَاسِبُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: هَذَا يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، مَعْنَاهُ: يُقَتِّرُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَيَبْسُطُ لِمَنْ يَشَاءُ وَلَا يُعْطِي كُلَّ أَحَدٍ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ بَلْ يُعْطِي الْكَثِيرَ مَنْ لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَلَا يُعْطِي الْقَلِيلَ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ، وَلَا يُحَاسَبُ فِيمَا يَرْزُقُ وَلَا يُقَالُ لِمَ أَعْطَيْتَ هَذَا وَحَرَمْتَ هَذَا؟ وَلِمَ أَعْطَيْتَ هَذَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَيْتَ ذَاكَ؟ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لا يخاف نفاذ خَزَائِنِهِ فَيَحْتَاجُ إِلَى حِسَابِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا لِأَنَّ الْحِسَابَ مِنَ الْمُعْطِي إِنَّمَا يَكُونُ بِمَا يخاف من نفاذ خَزَائِنِهِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: أَرَادَ آدَمَ وَحْدَهُ، كَانَ أُمَّةً وَاحِدَةً، قَالَ سُمِّيَ الْوَاحِدُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ أَصْلُ النَّسْلِ وَأَبُو الْبَشَرِ، ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى حَوَّاءَ وَنَشَرَ مِنْهُمَا النَّاسَ فَانْتَشَرُوا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ إِلَى أَنْ قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ فَاخْتَلَفُوا {فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ} قَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ: كَانَ النَّاسُ مِنْ وَقْتِ وَفَاةِ آدَمَ إِلَى مَبْعَثِ نُوحٍ أُمَّةً وَاحِدَةً عَلَى مِلَّةِ الْكُفْرِ أَمْثَالَ الْبَهَائِمِ، فَبَعَثَ اللَّهُ نُوحًا وَغَيْرَهُ مِنَ النَّبِيِّينَ (٢) . وَقَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ: كَانَ النَّاسُ مِنْ وَقْتِ آدَمَ إِلَى مَبْعَثِ نُوحٍ وَكَانَ بَيْنَهُمَا عَشَرَةُ قُرُونٍ كُلُّهُمْ عَلَى شَرِيعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْحَقِّ وَالْهُدَى، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي زَمَنِ نُوحٍ فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ نُوحًا، فَكَانَ أَوَّلَ نَبِيٍّ بُعِثَ، ثُمَّ بَعَثَ بَعْدَهُ النَّبِيِّينَ.

وَقَالَ الْكَلْبِيُّ هُمْ أَهْلُ سَفِينَةِ نُوحٍ كَانُوا مُؤْمِنِينَ ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ وَفَاةِ نُوحٍ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُمَّةً وَاحِدَةً كُفَّارًا كُلُّهُمْ فَبَعَثَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرَهُ مِنَ النَّبِيِّينَ، وَقِيلَ: كَانَ الْعَرَبُ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ إِلَى أَنْ غَيَّرَهُ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ. وَرُوِيَ عَنْ


(١) رواه البخاري: في النكاح باب الأكفاء في الدين ٩ / ١٣٢.
(٢) يرد هذا قول قتادة وعكرمة وهو مروي عن ابن عباس موقوفا وإسناده صحيح على شرط البخاري (انظر ابن كثير: ١ / ٤٤٣ تخريج الوادعي) .

<<  <  ج: ص:  >  >>