للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (٦٢) أَأَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (٦٣) إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (٦٤) قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (٦٥) }

{قَالُوا} يَعْنِي: الْأَتْبَاعُ {رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا} أَيْ: شَرَعَهُ وَسَنَّهُ لَنَا، {فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ} أَيْ: ضَعِّفْ عَلَيْهِ الْعَذَابَ فِي النَّارِ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يَعْنِي حَيَّاتٍ وَأَفَاعِي.

{وَقَالُوا} يَعْنِي صَنَادِيدَ قُرَيْشٍ وَهُمْ فِي النَّارِ، {مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ} فِي الدُّنْيَا، {مِنَ الْأَشْرَارِ} يَعْنُونَ فُقَرَاءَ الْمُؤْمِنِينَ: عَمَّارًا، وَخَبَّابًا، وَصُهَيْبًا، وَبِلَالًا وَسَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. ثُمَّ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْخَرُونَ مِنْ هَؤُلَاءِ، فَقَالُوا:

{أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيَّا} قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ: "مِنَ الْأَشْرَارِ اتَّخَذْنَاهُمْ" وَصْلٌ، وَيَكْسِرُونَ الْأَلِفَ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِقَطْعِ الْأَلِفِ وَفَتْحِهَا عَلَى الِاسْتِفْهَامِ (١) .

قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: الْقِرَاءَةُ الْأُولَى أُولَى؛ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُمُ اتَّخَذُوهُمْ سِخْرِيًّا فَلَا يَسْتَقِيمُ الِاسْتِفْهَامُ، وَتَكُونُ "أَمْ" عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ بِمَعْنَى "بَلْ" وَمَنْ فَتَحَ الْأَلِفَ قَالَ: هُوَ عَلَى اللَّفْظِ لَا عَلَى الْمَعْنَى لِيُعَادِلَ "أَمْ" فِي قَوْلِهِ {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ} قَالَ الْفَرَّاءُ: هَذَا مِنَ الِاسْتِفْهَامِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّوْبِيخُ وَالتَّعَجُّبُ "أَمْ زَاغَتْ" أَيْ، مَالَتْ "عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ" وَمَجَازُ الْآيَةِ: مَا لَنَا لَا نَرَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا لَمْ يَدْخُلُوا مَعَنَا النَّارَ؟ أَمْ دَخَلُوهَا فَزَاغَتْ عَنْهُمْ أَبْصَارُنَا، فَلَمْ نَرَهُمْ حِينَ دَخَلُوهَا.

وَقِيلَ: أَمْ هُمْ فِي النَّارِ وَلَكِنِ احْتَجَبُوا عَنْ أَبْصَارِنَا؟

وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: أَمْ كَانُوا خَيْرًا مَنَّا وَلَكِنْ نَحْنُ لَا نَعْلَمُ، فَكَانَتْ أَبْصَارُنَا تَزِيغُ عَنْهُمْ فِي الدُّنْيَا فَلَا نَعُدُّهُمْ شَيْئًا. {إِنَّ ذَلِكَ} الَّذِي ذَكَرْتُ {لَحَقٌّ} ثُمَّ بَيَّنَ فَقَالَ: {تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} أَيْ: تُخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ لَحَقٌّ.

{قُلْ} يَا مُحَمَّدُ لِمُشْرِكِي مَكَّةَ، {إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ} مُخَوِّفٌ (٢) {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} .


(١) تتمة العبارة في معاني القرآن (٢ / ٤١١) فهو يجوز بالاستفهام وبطرحه.
(٢) زيادة من "ب".

<<  <  ج: ص:  >  >>