للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٤٢) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣) }

ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهُ الِانْتِصَارَ فَقَالَ: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [سَمَّى الْجَزَاءَ سَيِّئَةً] (١) وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سَيِّئَةً لِتَشَابُهِهِمَا فِي الصُّورَةِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي الْقِصَاصَ فِي الْجِرَاحَاتِ وَالدِّمَاءِ. (٢)

قَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيٌّ: هُوَ جَوَابُ الْقَبِيحِ إِذَا قَالَ: أَخْزَاكَ اللَّهُ تَقُولُ: أَخْزَاكَ اللَّهُ، وَإِذَا شَتَمَكَ فَاشْتُمْهُ بِمِثْلِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَعْتَدِيَ. (٣)

قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: "وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا"؟ قَالَ: أَنْ يَشْتُمَكَ رَجُلٌ فَتَشْتُمَهُ، وَأَنْ يَفْعَلَ بِكَ فَتَفْعَلَ بِهِ، فَلَمْ أَجِدْ عِنْدَهُ شَيْئًا، فَسَأَلَتْ هِشَامَ بْنَ حُجَيْرَةَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ؟ فَقَالَ: الْجَارِحُ إِذَا جَرَحَ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَلَيْسَ هُوَ أَنْ يَشْتُمَكَ فَتَشْتُمَهُ.

ثُمَّ ذَكَرَ الْعَفْوَ فَقَالَ: {فَمَنْ عَفَا} عَمَّنْ ظَلَمَهُ، {وَأَصْلَحَ} بِالْعَفْوِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ظَالِمِهِ، {فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} قَالَ الْحَسَنُ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ أَجْرٌ فَلْيَقُمْ. فَلَا يَقُومُ إِلَّا مَنْ عَفَا، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ. (٤) {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} قَالَ ابْنُ عباس: الذين يبدؤون بِالظُّلْمِ.

{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ} أَيْ: بَعْدَ ظُلْمِ الظَّالِمِ إِيَّاهُ، {فَأُولَئِكَ} يَعْنِي الْمُنْتَصِرِينَ، {مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} بِعُقُوبَةٍ وَمُؤَاخَذَةٍ.

{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ} يبدؤون بِالظُّلْمِ، {وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} يَعْمَلُونَ فِيهَا بِالْمَعَاصِي، {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .

{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ} فَلَمْ يَنْتَصِرْ، {إِنَّ ذَلِكَ} الصَّبْرَ وَالتَّجَاوُزَ، {لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} حَقِّهَا وَجَزْمِهَا. قَالَ مُقَاتِلٌ: مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: الصَّابِرُ يُؤْتَى بِصَبْرِهِ الثَّوَابَ فَالرَّغْبَةُ فِي الثَّوَابِ أَتَمُّ عَزْمًا.


(١) زيادة من "ب".
(٢) انظر: زاد المسير: ٧ / ٢٩٣.
(٣) انظر: البحر المحيط: ٧ / ٥٢٣، زاد المسير: ٧ / ٢٩٣.
(٤) ذكره السيوطي في الدر المنثور: ٧ / ٣٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>