للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِكَ، فَمَاذَا يُفْعَلُ بِنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: "لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ" الْآيَةَ، (الْفَتْحِ-٥) وَأَنْزَلَ: "وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا" (الْأَحْزَابِ-٤٧) فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يُفْعَلُ بِهِ وَبِهِمْ. وَهَذَا قَوْلُ أَنَسٍ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ، قَالُوا: إِنَّمَا قَالَ هَذَا قَبْلَ أن يخبر ١٢٣/أبِغُفْرَانِ ذَنْبِهِ [وَإِنَّمَا أُخْبِرَ بِغُفْرَانِ ذَنْبِهِ] (١) عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَنُسِخَ ذَلِكَ (٢) .

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: كَانَتْ أُمُّ الْعَلَاءِ الْأَنْصَارِيَّةُ تَقُولُ: لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ اقْتَرَعَتِ الْأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَتِهِمْ، قَالَتْ [فَطَارَ لَنَا] (٣) عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي السُّكْنَى، فَمَرِضَ فَمَرَّضْنَاهُ، ثُمَّ تُوُفِّيَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي قَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ لَا أَدْرِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا هُوَ فَقَدْ أَتَاهُ الْيَقِينُ مِنْ رَبِّهِ وَإِنِّي لِأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ" قَالَتْ: فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي بَعْدَهُ أَحَدًا أَبَدًا، قَالَتْ: ثُمَّ رَأَيْتُ لِعُثْمَانَ بَعْدُ فِي النَّوْمِ عَيْنًا تَجْرِي فَقَصَصْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "ذَاكَ عَمَلُهُ" (٤) .

وَقَالَ جَمَاعَةٌ: قَوْلُهُ "وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ" فِي الدُّنْيَا، أَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ، وَأَنَّ مَنْ كَذَّبَهُ فَهُوَ فِي النَّارِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيهِ:

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: لَمَّا اشْتَدَّ الْبَلَاءُ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ وَهُوَ بِمَكَّةَ أَرْضًا ذَاتَ سِبَاخٍ وَنَخْلٍ رُفِعَتْ لَهُ، يُهَاجِرُ إِلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ مَتَى تُهَاجِرُ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أُرِيتَ؟ فَسَكَتَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: "وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ"، أَأُتْرَكُ فِي مَكَانِي أَمْ أَخْرُجُ وَإِيَّاكُمْ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي رُفِعَتْ لِي (٥) ؟.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: "وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ" إِلَى مَاذَا يَصِيرُ أَمْرِي وَأَمْرُكُمْ فِي الدُّنْيَا، بِأَنْ أُقِيمَ مَعَكُمْ فِي مَكَانِكُمْ أَمْ أُخْرَجَ كَمَا أُخْرِجَتِ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ قَبْلِي، أَمْ أُقْتَلَ كَمَا قُتِلَ الْأَنْبِيَاءُ، مِنْ قَبْلِي وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُصَدِّقُونَ لَا أَدْرِي


(١) ما بين القوسين زيادة من "ب".
(٢) انظر: الطبري: ٢٦ / ٧، تفسير ابن كثير: ٤ / ١٥٦، القرطبي: ١٦ / ١٨٥.
(٣) في "أ" (فشاركنا) وفي "المصنف": فصار لنا.
(٤) أخرجه عبد الرزاق في الجامع للإمام معمر، المصنف: ١١ / ٢٣٧، والبخاري في التعبير، باب العين الجارية في المنام: ١٢ / ٤١٠، والمصنف في شرح السنة: ١٢ / ٢٤٣-٢٤٤.
(٥) انظر: أسباب النزول للواحدي: ص ٤٣٩، القرطبي: ١٦ / ١٨٦-١٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>